المسألة السادسة : لأَرباب الإشارات والمجاهدات ههنا دقيقة، وهي أن لام التعريف ولام الأصل من لفظة "الله" اجتمعا فأدغم أحدهما في الثاني، فسقط لام المعرفة وبقي لام لفظة الله، وهذا كالتنبيه على أن المعرفة إذا حصلت إلى حضرة المعروفة سقطت المعرفة وفنيت وبطلت، وبقي المعروف الأزلي كما كان من غير زيادة ولا نقصان.
مد لام الجلالة :
المسألة السابعة : لا يجوز حذف الألف من قولنا : الله في اللفظ، وجاز ذلك في ضرورة الشعر عند الوقف عليه، قال بعضهم : ـ
فأقبل سيل جاء من عند الله
يجود جود الجنة المغله
انتهى، ويتفرع على هذا البحث مسائل في الشريعة : إحداها : أنه عند الحلف لو قال بله فهل ينعقد يمينه أم لا قال بعضهم : لا ؛ لأن قوله بله اسم للرطوبة فلا ينعقد اليمين، وقال آخرون ينعقد اليمين به لأنه بحسب أصل اللغة جائز، وقد نوى به الحلف فوجب أن تنعقد وثانيها : لو ذكره على هذه الصفة عند الذبيحة هل يصح ذلك أم لا، وثالثها : لو ذكر قوله :"الله" في قوله :"الله أكبر" هل تنعقد الصلاة به أم لا ؟
المسألة الثامنة : لم يقرأ أحد الله بالإمالة إلا قتيبة في بعض الروايات انتهى.
حكم لام أل :
المسألة التاسعة : تشديد الراء من قوله :"الرحمن الرحيم" لأجل إدغام لام التعريف في الراء، ولا خلاف بين القراء في لزوم إدغام لام التعريف في اللام، وفي ثلاثة عشر حرفاً سواه وهي : الصاد، والضاد، والسين، والشين، والدال، والذال، والراء، والزاي، والطاء، والظاء، والتاء، والثاء، والنون، انتهى. كقوله تعالى :﴿التَّـا ئِبُونَ الْعَـابِدُونَ الْحَـامِدُونَ السَّـا اـاِحُونَ الراَّكِعُونَ السَّـاجِدُونَ الامِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ والعلة الموجبة لجواز هذا الإدغام قرب المخرج/ فإن اللام وكل هذه الحروف المذكورة مخرجها من طرف اللسان وما يقرب منه، فحسن الإدغام، ولا خلاف بين القراء في امتناع إدغام لام التعريف فيما عدا هذه الثلاثة عشر كقوله :﴿الْعَـابِدُونَ الْحَـامِدُونَ السَّـا اـاِحُونَ الراَّكِعُونَ السَّـاجِدُونَ الامِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (التوبة : ١١٢) كلها بالإظهار، وإنما لم يجز الإدغام فيها لبعد المخرج، فإنه إذا بعد مخرج الحرف الأول عن مخرج الحرف الثاني ثقل النطق بهما دفعة فوجب تمييز كل واحد منهما عن الآخر، بخلاف الحرفين اللذين يقرب مخرجاهما، لأن التمييز بينهما مشكل صعب.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
المسألة العاشرة : أجمعوا على أنه لا يمال لفظ "الرحمن" وفي جواز إمالته قولان للنحويين : أحدهما : أنه يجوز، ولعله قول سيبويه، وعلة جوازه انكسار النون بعد الألف، والقول الثاني : وهو الأظهر عند النحويين، أنه لا يجوز.
المسألة الحادية عشرة : أجمعوا على أن إعراب "الرحمن الرحيم" هو الجر لكونهما صفتين للمجرور الأول إلا أن الرفع والنصب جائزان فيهما بحسب النحو، أما الرفع فعلى تقدير بسم الله هو الرحمن الرحيم، وأما النصب فعلى تقدير بسم الله أعين الرحمن الرحيم.
النوع الثاني من مباحث هذا الباب ما يتعلق بالخط، وفيه مسائل : ـ
ما يتعلق بالبسملة قراءة وكتابة :
المسألة الأولى : طولوا الباء من "بسم الله" وما طولوها في سائر المواضع، وذكروا في الفرق وجهين : الأول : أنه لما حذفت ألف الوصل بعد الباء طولوا هذه الباء ليدل طولها / على الألف المحذوفة التي بعدها، ألا ترى أنهم لما كتبوا ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ (العلق : ١) بالألف ردوا الباء إلى صفتها الأصلية، الثاني : قال القتيبي، إنما طولوا الباء لأنهم أرادوا أن لا يستفتحوا كتاب الله إلا بحرف معظم، وكان عمر بن عبد العزيز يقول لكتابه طولوا الباء، وأظهروا السين. ودوروا الميم تعظيماً لكتاب الله.
المسألة الثانية : قال أهل الإشارة والباء حرف منخفض في الصورة فلما اتصال بكتبة لفظ الله ارتفعت واستعلت، فنرجو أن القلب لما اتصل بخدمة الله عزّ وجلّ أن يرتفع حاله ويعلو شأنه.
المسألة الثالثة : حذفوا ألف "اسم" من قوله :"بسم الله" وأثبتوه في قوله :(إقرأ باسم ربك) والفرق من وجهين : الأول : أن كلمة "باسم الله" مذكروة في أكثر الأوقات عند أكثر الأفعال، فلأجل التخفيف حذفوا الألف، بخلاف سائر المواضع فإن ذكرها قليل. الثاني : قال الخليل : إنما حذفت الألف في قوله :"بسم الله" لأنها إنما دخلت بسبب أن الابتداء بالسين الساكنة غير ممكن، فلما دخلت الباء على الاسم نابت عن الألف فسقطت في الخط، وإنما لم تسقط في قوله :﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ لأن الباء لا تنوب عن الألف في هذا الموضع كما في (بسم الله) لأنه يمكن حذف الباء من ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ مع بقاء المعنى صحيحاً، فإنك لو قلت إقرأ اسم ربك صح المعنى، أما لو حذفت الباء من "بسم الله" لم يصح المعنى فظهر الفرق.