المسألة الرابعة : كتبوا لفظة الله بلامين، وكتبوا لفظة الذي بلام واحدة، مع استوائهما في اللفظ وفي كثرة الدوران على الألسنة، وفي لزوم التعريف، والفرق من وجوه : الأول : أن قولنا :"الله" اسم معرب متصرف تصرف الأسماء، فأبقوا كتابته على الأصل، أما قولنا "الذي" فهو مبني لأجل أنه ناقص ؛ لأنه لا يفيد إلا مع صلته فهو كبعض الكلمة، ومعلوم أن بعض الكلمة يكون مبنياً، فأدخلوا فيه النقصان لهذا السبب، ألا ترى أنهم كتبوا قولهم :"اللذان" بلامين، لأن التثنية أخرجته عن مشابهة الحروف، فإن الحرف لا يثنى.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
الثاني : أن قولنا :"الله" لو كتب بلام واحدة لالتبس بقوله إله، وهذا الالتباس غير حاصل في قولنا الذي.
الثالث : أن تفخيم ذكر الله في اللفظ واجب/ فكذا في الخط، والحذف ينافي التفخيم وأما قولنا :"الذي" فلا تفخيم له في المعنى فتركوا أيضاً تفخيمه في الخط.
المسألة الخامسة : إنما حذفوا الألف قبل الهاء من قولنا :"الله" في الخط لكراهتهم اجتماع الحروف المتشابهة بالصورة عند الكتابة، وهو مثل كراهتهم اجتماع الحروف المتماثلة في اللفظ عند القراءة.
المسألة السادسة : قالوا : الأصل في قولنا :"الله" الإله، وهي ستة حروف، فلما أبدلوه بقولهم :"الله" بقيت أربعة أحرف في الخط : همزة، ولامان، وهاء ؛ فالهمزة من أقصى الحلق واللام من طرف اللسان، والهاء من أقصى الحلق، وهو إشارة إلى حالة عجيبة، فإن أقصى الحلق مبدأ التلفظ بالحروف، ثم لا يزال يترقى قليلاً قليلاً إلى أن يصل إلى طرف اللسان ثم يعود إلى الهاء الذي هو في داخل الحلق، ومحل الروح، فكذلك العبد يبتدىء من أول حالته التي هي حالة النكرة والجهالة، ويترقى قليلاً قليلاً في مقامات العبودية، حتى إذا وصل إلى آخر مراتب الوسع والطاقة ودخل في عالم المكاشفات والأنوار أخذ يرجع قليلاً قليلاً حتى ينتهي إلى الفناء في بحر التوحيد، فهو إشارة إلى ما قيل : النهاية رجوع إلى البداية.
المسألة السابعة : إنما جاز حذف الألف قبل النون من "الرحمن" في الخط على سبيل التخفيف، ولو كتب بالألف حسن، ولا يجوز حذف الياء من الرحيم، لأن حذف الألف من الرحمن لا يخل بالكلمة ولا يحصل فيها التباس، بخلاف حذف الياء من الرحيم.
الباب الثالث
من هذا الكتاب في مباحث الاسم، وهي نوعان
أحدهما : ما يتعلق من المباحث النقلية بالاسم، والثاني : ما يتعلق من المباحث العقلية بالاسم.
النوع الأول : وفيه مسائل : ـ
لغات الاسم :
المسألة الأولى : في هذا اللفظ لغتان مشهورتان، تقول العرب : هذا اسمه وسمه، قال : باسم الذي في كل سورة سمه.
وقيل : فيه لغتان غيرهما سم وسم، قال الكسائي : إن العرب تقول تارة اسم بكسر الألف وأخرى بضمه، فإذا طرحوا الألف قال الذين لغتهم كسر الألف سم، وقال الذين لغتهم ضم الألف سم، وقال ثعلب : من جعل أصله من سما يسمى قال اسم وسم، ومن جعل أصله من سما يسمو قال اسم وسم، وقال المبرد : سمعت العرب تقول اسمه واسمه وسمه وسمه وسماه.
المسألة الثانية : أجمعوا على أن تصغير الاسم سمي وجمعه أسماء وأسامي.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
اشتقاق الاسم :
المسألة الثالثة : في اشتقاقه قولان : قال البصريون : هو مشتق من سما يسمو إذا علا وظهر، فاسم الشيء ما علاه حتى ظهر ذلك الشيء به، وأقول : اللفظ معرف للمعنى، ومعرف الشيء متقدم في المعلومية على المعرف، فلا جرم كان الاسم عالياً على المعنى ومتقدماً عليه، وقال الكوفيون : هو مشتق من وسم يسم سمة، والسمة العلامة، فالاسم كالعلامة المعرفة للمسمى، حجة البصريين لو كان اشتقاق الاسم من السمة لكان تصغيره وسيماً وجمعه أوساماً.
المسألة الرابعة : الذين قالوا اشتقاقه من السمة قالوا أصله من وسم يسم، ثم حذف منه الواو، ثم زيد فيه ألف الوصل عوضاً عن المحذوف كالعدة والصفة والزنة، أصله الوعد والوصف والوزن، أسقط منها الواو، وزيد فيها الهاء، وأما الذين قالوا اشتقاقه من السمو وهو العلو، فلهم قولان : الأول : أن أصل الاسم من سما يسمو وسما يسمي، والأمر فيه اسم : كقولنا ادع من دعوت، أو اسم مثل ارم من رميت، ثم إنهم جعلوا هذه الصيغة اسماً وأدخلوا عليها وجوه الإعراب، وأخرجوها عن حد الأفعال، قالوا : وهذا كما سموا البعير يعملا، وقال الأخفش : هذا مثل الآن فإن أصله آن يئين إذا حضر، ثم أدخلوا الألف واللام على الماضي من فعله، وتركوه مفتوحاً، والقول الثاني : أصله سمو مثل حمو، وإنما حذفت الواو من آخره استثقالاً لتعاقب الحركات عليها مع كثرة الدوران/ وإنما أعربوا الميم لأنها صارت بسبب حذف الواو آخر الكلمة فنقل حركة الواو إليها، وإنما سكنوا السين لأنه لما حذفت الواو بقي حرفان أحدهما ساكن والآخر متحرك، فلما حرك الساكن وجب تسكين المتحرك ليحصل الاعتدال، وإنما أدخلت الهمزة في أوله لأن الابتداء بالساكن محال، فاحتاجوا إلى ذكر ما يبتدأ به، وإنما خصت الهمزة بذلك لأنها من حروف الزيادة.


الصفحة التالية
Icon