المسألة الثانية : اختلفوا في المراد بحاضري المسجد الحرام، فقال مالك : هم أهل مكة وأهل ذي طوى قال : فلو أن أهل منى أحرموا بالعمرة من حيث يجوز لهم، ثم أقاموا بمكة حتى حجوا كانوا متمتعين، وسئل مالك رحمه الله عن أهل الحرم أيجب عليهم ما يجب على المتمتع، قال : نعم وليس هم مثل أهل مكة فقيل له : فأهل منى فقال : لا أرى ذلك إلا لأهل مكة خاصة وقال طاوس حاضروا المسجد الحرام هم أهل الحرم، وقال الشافعي رضي الله عنه : هم الذي يكونون على أقل من مسافة القصر من مكة، فإن كانوا على مسافة القصر فليسوا من الحاضرين، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : حاضروا المسجد الحرام أهل المواقيت، وهي ذو الحليفة والجحفة وقرن ويلملم وذات العرق، فكل من كان من أهل موضع من هذه المواضع، أو من أهل ما وراءها إلى مكة فهو من حاضري المسجد الحرام، هذا هو تفصيل مذاهب الناس، ولفظ الآية موافق لمذهب مالك رحمه الله، لأن أهل مكة هم الذي يشاهدون المسجد الحرام ويحضرونه، فلفظ الآية لا يدل إلا عليهم، إلا أن الشافعي قال : كثيراً ما ذكر الله المسجد الحرام، والمراد منه الحرم، قال تعالى :﴿سُبْحَـانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِه لَيْلا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ (الإسراء : ١) ورسول الله صلى الله عليه وسلّم إنما أسري به من الحرم لا من المسجد الحرام، وقال :﴿ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ (الحج : ٣٣) والمراد الحرم، لأن الدماء لا تراق في البيت والمسجد، إذا ثبت هذا فنقول : المراد من المسجد الحرام ههنا ما ذكرناه ويدل عليه وجهان الأول : الحاضر ضد المسافر، وكل من لم يكن مسافراً كان حاضراً، ولما كان حكم السفر إنما ثبت في مسافة القصر، فكل من كان دون مسافة القصر لم يكن مسافراً وكان حاضراً الثاني : أن العرب تسمي أهل القرى : حاضرة وحاضرين، وأهل البر : بادية وبادين ومشهور كلام الناس : أهل البدو والحضر يراد بهما أهل الوبر والمدر.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩٦
المسألة الثالثة : قال الفراء : اللام في قوله :﴿لِمَنِ﴾ بمعنى على، أي ذلك الفرض الذي هو الدم أو الصوم لازم على من لم يكن من أهل مكة، كقوله عليه الصلاة والسلام :"واشترطي لهم الولاء" أي عليهم.
المسألة الرابعة : الله تعالى ذكر حضور الأهل والمراد حضور المحرم لا حضور الأهل، لأن الغالب على الرجل أنه يسكن حيث أهله ساكنون.
المسألة الخامسة : المسجد الحرام إنما وصف بهذا الوصف لأن أصل الحرام والمحروم الممنوع عن المكاسب والشيء المنهي عنه حرام لأنه منع من إتيانه، والمسجد الحرام الممنوع من أن يفعل فيه ما منع عن فعله قال الفراء : ويقال حرام وحرم مثل زمان وزمن.
أما قوله تعالى :﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ قال ابن عباس : يريد فيما فرض عليكم :﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ لمن تهاون بحدوده قال أبو مسلم : العقاب والمعاقبة سيان، وهو مجازاة المسيء على إساءته وهو مشتق من العاقبة : كأنه يراد عاقبة فعل المسيء، كقول القائل : لتذوقن عاقبة فعلك.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩٦
٣١٤
فيه مسائل :
المسألة الأولى : من المعلوم بالضرورة أن الحج ليس نفس الأشهر فلا بد ههنا من تأويل وفيه وجوه أحدها : التقدير : أشهر الحج أشهر معلومات، فحذف المضاف وهو كقولهم : البرد شهران، أي وقت البرد شهران والثاني : التقدير الحج حج أشهر معلومات، أي لا حج إلا في هذه الأشهر، ولا يجوز في غيرها كما كان أهل الجاهلية يستجيزونها في غيرها من الأشهر، فحذف المصدر المضاف إلى الأشهر الثالث : يمكن تصحيح الآية من غير إضمار وهو أنه جعل الأشهر نفس الحج لما كان الحج فيها كقولهم : ليل قائم، ونهار صائم.
المسألة الثانية : أجمع المفسرون على أن شوالاً وذا القعدة من أشهر الحج واختلفوا في ذي الحجة، فقال عروة بن الزبير : إنها بكليتها من أشهر الحج وهو قول مالك رحمه الله تعالى، / وقال أبو حنيفة رحمه الله : الشعر الأول من ذي الحجة من أشهر الحج، وهو قول ابن عباس وابن عمر والنخعي والشعبي ومجاهد والحسن، وقال الشافعي رضي الله عنه : التسعة الأولى من ذي الحجة من ليلة النحر من أشهر الحج، حجة مالك رضي الله عنه من وجوه الأول : أن الله تعالى ذكر الأشهر بلفظ الجمع وأقله ثلاثة.


الصفحة التالية
Icon