أما قوله تعالى :﴿وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَـاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ فاعلم أن العزم عقد القلب على الشيء يقال عزم على الشيء يعوم عزماً وعزيمة، وعزمت عليك لتفعلن، أي أقسمت، والطلاق مصدر طلقت المرأة أطلق طلاقاً، وقال الليث : طلقت بضم اللام، وقال ابن الأعرابي : طلقت بضم اللام من الطلاق أجود، ومعنى الطلاق هو حل عقد النكاح بما يكون حلالاً في الشرع، وأصله من الإنطلاق، وهو الذهاب، فالطلاق عبارة عن انطلاق المرأة، فهذا ما يتعلق بتفسير لفظ الآية.
أما الأحكام فكثيرة ونذكر هاهنا بعض ما دلت الآية عليه في مسائل :
المسألة الأولى : كل زوج يتصور منه الوقاع، وكان تصرفه معتبراً في الشرع، فإنه يصح منه الإيلاء، وهذا القيد معتبر طرداً وعكساً. أما الطرد فهو أن كل من كان كذلك صح إيلاؤه، ويتفرع عليه أحكام الأول : يصح إيلاء الذمي، وهو قول أبي حنيفة رضي الله عنه، وقال أبو يوسف ومحمد : لا يصح إيلاؤه بالله تعالى ويصح بالطلاق والعتاق لنا قوله تعالى :﴿لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ﴾ وهذا العموم يتناول الكافر والمسلم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٢٨
الحكم الثاني : قال الشافعي رضي الله عنه : مدة الإيلاء لا تختلف بالرق والحرية فهي أربعة أشهر سواء كان الزوجان حرين أو رقيقين، أو أحدهما كان حراً والآخر رقيقاً، وعند أبي حنيفة ومالك رضي الله عنهما تتنصف بالرق، إلا أن عند أبي حنيفة تتنصف برق المرأة، وعند مالك برق الرجل، كما قالا في الطلاق لنا إن ظاهر قوله تعالى :﴿لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ﴾ يتناول الكل، والتخصيص خلاف الظاهر، لأن تقدير هذه المدة إنما كان لأجل معنى يرجع إلى الجبلة والطبع، وهو قلة الصبر على مفارقة الزوج، فيستوي فيه الحر والرقيق، كالحيض، ومدة الرضاع ومدة العنة.
الحكم الثالث : يصح الإيلاء في حال الرضا والغضب، وقال مالك : لا يصح إلا في حال الغضب لنا ظاهر هذه الآية.
الحكم الرابع : يصح الإيلاء من المرأة سواء كانت في صلب النكاح، أو كانت مطلقة طلقة رجعية، بدليل أن الرجعية يصدق عليها أنها من نسائه، بدليل أنه لو قال : نسائي طوالق، وقع الطلاق عليها، وإذا ثبت أنها من نسائه دخلت تحت الآية لظاهر قوله :﴿لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ﴾.
أما عكس هذه القضية. وهو أن من لا يتصور منه الوقاع لا يصح إيلاؤه، ففيه حكمان :
الحكم الأول : إيلاء الخصي صحيح، لأنه يجامع كما يجامع الفحل، إنما المفقود في حقه الإنزال وذلك لا أثر له : ولأنه داخل تحت عموم الآية.
الحكم الثاني : المجبوب إن بقي منه ما يمكنه أن يجامع به صح إيلاؤه وإن لم يبق ففيه قولان أحدهما : أنه لا يصح إيلاؤه وهو قول أبي حنيفة رضي الله عنه والثاني : أنه يصح لعموم هذه الآية، لأن قصد المضارة باليمين قد حصل منه.
القيد الثاني : أن يكون زوجاً، فلو قال لأجنبية : والله لا أجامعك ثم نكحها لم يكن مؤلياً لأن قوله تعالى :﴿لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ﴾ يفيد أن هذا الحكم لهم لا لغيرهم، كقوله :﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ﴾ (الكافرون : ٦) أي لكم لا لغيركم.
المسألة الثانية : المحلوف به والحلف إما أن يكون بالله أو بغيره، فإن كان بالله كان مولياً ثم إن جامعها في مدة الإيلاء خرج عن الإيلاء، وهل تجب كفارة اليمين فيه قولان : الجديد وهو الأصح، وقول أبي حنيفة رضي الله عنه أنه تجب كفارة اليمين، والقديم أنه إذا فاء بعد مضي المدة أو في خلال المدة فلا كفارة عليه، حجة القول : والله لا أقربك ثم يقربها، وبين أن يقول : والله لا أكلمك ثم يكلمها وحجة القول القديم قوله تعالى :﴿فَإِن فَآءُو فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ والاستدلال به من وجهين أحدهما : أن الكفارة لو كانت واجبة لذكرها الله ههنا، لأن الحاجة ههنا داعية إلى / معرفتها، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز والثاني : أنه تعالى كما لم يذكر وجوب الكفارة نبه على سقوطها بقوله :﴿فَإِن فَآءُو فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ والغفران يوجب ترك المؤاخذة وللأولين أن يجيبوا فيقولوا : إنما ترك الكفارة ههنا لأنه تعالى بينها في القرآن وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلّم في سائر المواضع.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٢٨