القسم الثاني : أن يكون الخوف من قبل الزوج فقط، بأن يضربها ويؤذيها، حتى تلتزم الفدية فهذا المال حرام بدليل أول هذه الآية، وبدليل سائر الآيات، كقوله :﴿وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا ﴾ إلى قوله :﴿أَتَأْخُذُونَه بُهْتَـانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ (النساء : ١٩، ٢٠) وهذا مبالغة عظيمة في تحريم أخذ ذلك المال.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٤١
القسم الثالث : أن لا يكون هذا الخوف حاصلاً من قبل الزوج، ولا من قبل الزوجة، وقد ذكرنا أن قول أكثر المجتهدين : أن هذا الخلع جائز، والمال المأخوذ حلال، وقال قوم إنه حرام.
القسم الرابع : أن يكون الخوف حاصلاً من قبلهما معاً، فهذا المال حرام أيضاً، لأن الآيات التي تلوناها تدل على حرمة أخذ ذلك المال إذا كان السبب حاصلاً من قبل الزوج، وليس فيه تقييد بقيد أن يكون من جانب المرأة سبب لذلك أم لا ولأن الله تعالى أفرد لهذا القسم آية أخرى وهو قوله تعالى :﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا﴾ الآية، ولم يذكر فيه تعالى حل أخذ المال، فهذا شرح هذه الأقسام الأربعة، واعلم أن هذا الذي قلناه من هذه الأقسام إنما هو فيما بين المكلفين وبين الله تعالى، فأما في الظاهر فهو جائز هذا هو قول الفقهاء.
المسألة الخامسة : قرأ حمزة :﴿إِلا أَن يَخَافَآ﴾ بضم الياء والباقون بفتحها، قال صاحب "الكشاف" / وجه قراءة حمزة إبدال أن لا يقيما من ألف الضمير، وهو من بدل الاشتمال، كقولك : خيف زيد تركه إقامة حدود الله، وهذا المعنى متأكد بقراءة عبد الله ﴿إِلا أَن يَخَافَآ﴾ وبقوله تعالى :﴿فَإِنْ خِفْتُمْ﴾ ولم يقل : خافا، فجعل الخوف لغيرهما، وجه قراءة العامة إضافة الخوف إليهما على ما بينا أن المرأة تخاف الفتنة على نفسها، والزوج يخاف أنها إن لم تطعه يعتدي عليها.
المسألة السادسة : اختلفوا في قدر ما يجوز وقوع الخلع به، فقال الشعبي والزهري والحسن البصري وعطاء وطاوس : لا يجوز أن يأخذ أكثر مما أعطاها، وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال سعيد بن المسيب : بل ما دون ما أعطاها حتى يكون الفضل له، وأما سائر الفقهاء فإنهم جوزوا المخالعة بالأزيد والأقل والمساوي، واحتج الأولون بالقرآن والخبر والقياس، أما القرآن فقوله تعالى :﴿وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا﴾ ثم قال بعد ذلك :﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِه ﴾ فوجب أن يكون هذا راجعاً إلى ما آتاها : وإذا كان كذلك لم يدخل في إباحة الله تعالى إلا قدر ما آتاها من المهر، وأما الخبر روينا أن ثابتاً لما طلب من جميلة أن ترد عليه حديقته، فقالت جميلة وأزيده، فقال صلى الله عليه وسلّم : لا حديقته فقط، ولو كان الخلع بالزائد جائزاً لما جاز للنبي صلى الله عليه وسلّم أن يمنعها منه/ وأما القياس فهو أنه استباح بعضها، فلو أخذ منها أزيد مما دفع إليها لكان ذلك إجحافاً بجانب المرأة وإلحاقاً للضرر بها، وأنه غير جائز، وأما سائر الفقهاء فإنهم قالوا الخلع عقد معاوضة، فوجب أن لا يتقيد بمقدار معين، فكما أن للمرأة أن لا ترضى عند النكاح إلا بالصداق الكثير، فكذا للزوج أن لا يرضى عند المخالعة إلا بالبذل الكثير، لا سيما وقد أظهرت الاستخفاف بالزوج، حيث أظهرت بغضه وكراهته، ويتأكد هذا بما روي أن عمر رضي الله عنه رفعت إليه امرأة ناشزة أمرها فأخذها عمر وحبسها في بيت الزبل ليلتين، ثم قال لها : كيف حالك ؟
فقالت : ما بت أطيب من هاتين الليلتين، فقال عمر : اخلعها ولو بقرطها، والمراد اخلعها حتى بقرطها وعن ابن عمر أنه جاءته امرأة قد اختلعت من زوجها بكل شيء وبكل ثوب عليها إلا درعها، فلم ينكر عليها.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٤١
المسألة الرابعة : الخلع تطليقة بائنة وهو قول علي وعثمان وابن مسعود والحسن والشعبي والنخعي وعطاء وابن المسيب وشريح ومجاهد ومكحول والزهري، وهو قول أبي حنيفة وسفيان، وهو أحد قولي الشافعي رضي الله عنهم، وقال ابن عباس وطاوس وعكرمة رضي الله عنهم : إنه فسخ للعقد، وهو القول الثاني للشافعي، وبه قال أحمد وإسحق وأبو ثور.
(حجة من قال إنه طلاق) أن الأمة مجمعة على أنه فسخ أو طلاق، فإذا بطل كونه فسخاً ثبت أنه طلاق وإنما قلنا : إنه ليس بفسخ لأنه لو كان فسخاً لما صح بالزيادة على المهر المسمى : كالإقالة في البيع، وأيضاً لو كان الخلع فسخاً فإذا خالعها ولم يذكر المهر وجب أن يجب عليها المهر، كالإقالة، / فإن الثمن يجب رده، وإن لم يذكر ولما لم يكن كذلك ثبت أن الخلع ليس بفسخ، وإذا بطل ذلك ثبت أنه طلاق.
حجة من قال إنه ليس بطلاق وجوه :