المسألة الرابعة : تمسك الشافعي رضي الله عنه بهذه الآية في بيان أن النكاح بغير ولي لا يجوز وبنى ذلك الاستدلال على أن الخطاب في هذه الآية مع الأولياء، قال : وإذا ثبت هذا وجب أن يكون التزويج إلى الأولياء لا إلى النساء، لأنه لو كان للمرأة أن تتزوج بنفسها أو توكل من يزوجها لما كان الولي قادراً على عضلها من النكاح، ولو لم يقدر الولي على هذا العضل لما نهاه الله عز وجل عن العضل، وحيث نهاه عن العضل كان قادراً على العضل، وإذا كان الولي قادراً على العضل وجب أن لا تكون المرأة متمكنة من النكاح، واعلم أن هذا الاستدلال بناءً على أن هذا الخطاب مع الأولياء، وقد تقدم ما فيه من المباحث، ثم إن سلمنا هذه المقدمة لكن لم لا يجوز أن يكون المراد بقوله :﴿وَلا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ أن يخليها ورأيها في ذلك، وذلك لأن الغالب في النساء الأيامى أن يركن إلى رأي الأولياء في باب النكاح/ وإن كان الاستئذان الشرعي لهن، وإن يكن تحت تدبيرهم ورأيهم، وحينئذٍ يكونون متمكنين من منعهن لتمكنهم من تزويجهن، فيكون النهي محمولاً على هذا الوجه، وهو منقول عن ابن عباس في تفسير الآية، وأيضاً فثبوت العضل في حق الولي ممتنع، لأنه مهما عضل لا يبقى لعضله أثر، وعلى هذا الوجه فصدور العضل عنه غير معتبر، وتمسك أبو حنيفة رضي الله عنه بقوله تعالى :﴿أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾ على أن النكاح بغير ولي جائز، وقال إنه / تعالى أضاف النكاح إليها إضافة الفعل إلى فاعله، والتصرف إلى مباشره، ونهى الولي عن منعها من ذلك، ولو كان ذلك التصرف فاسداً لما نهى الولي عن منعها منه، قالوا : وهذا النص متأكد بقوله تعالى :﴿حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَه ﴾ (البقرة : ٢٣٠) وبقوله :﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِى أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ (البقرة : ٢٣٤) وترويجها نفسها من الكفء فعل بالمعروف فوجب أن يصح، وحقيقة هذه الإضافة على المباشر دون الخطاب، وأيضاً قوله تعالى :﴿وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِىِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِىُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا﴾ (الأحزاب : ٢٥٠) دليل واضح مع أنه لم يحضر هناك ولي البتة، وأجاب أصحابنا بأن الفعل كما يضاف إلى المباشر قد يضاف أيضاً إلى المتسبب، يقال : بنى الأمير داراً، وضرب ديناراً، وهذا وإن كان مجازاً إلا أنه يجب المصير إليه لدلالة الأحاديث على بطلان هذا النكاح.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٥٤
المسألة الخامسة : قوله تعالى :﴿فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ محمول في هذه الآية على انقضاء العدة، قال الشافعي رضي الله عنه : دل سياق الكلامين على افتراق البلوغين، ومعنى هذا الكلام أنه تعالى قال في الآية السابقة :﴿فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ ولو كانت عدتها قد انقضت لما قال :﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ لأن إمساكها بعد انقضاء العدة لا يجوز، ولما قال :﴿أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ لأنها بعد انقضاء العدة تكون مسرحة فلا حاجة إلى تسريحها، وأما هذه الآية التي نحن فيها فالله تعالى نهى عن عضلهن عن التزوج بالأزواج، وهذا النهي إنما يحسن في الوقت الذي يمكنها أن تتزوج فيه بالأزواج، وذلك إنما يكون بعد انقضاء العدة، فهذا هو المراد من قول الشافعي رضي الله عنه، دل سياق الكلامين على افتراق البلوغين.
أما قوله تعالى :﴿إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : في التراضي وجهان أحدهما : ما وافق الشرع من عقد حلال ومهر جائز وشهود عدول وثانيها : أن المراد منه ما يضاد ما ذكرناه في قوله تعالى :﴿وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ﴾ (البقرة : ٢٣١) فيكون معنى الآية أن يرضى كل واحد منهما ما لزمه في هذا العقد لصاحبه، حتى تحصل الصحبة الجميلة، وتدوم الألفة.
المسألة الثانية : قال بعضهم : التراضي بالمعروف، هو مهر المثل، وفرعوا عليه مسألة فقهية وهي أنها إذا زوجت نفسها ونقصت عن مهر مثلها نقصاناً فاحشاً، فالنكاح صحيح عند أبي حنيفة، وللولي أن يعترض عليها بسبب النقصان عن المهر، وقال أبو يوسف ومحمد : ليس للولي ذلك.