وأما قوله :﴿وَيَذَرُونَ﴾ معناه : يتركون، ولا يستعمل منه الماضي ولا المصدر استغناءً عنه يترك تركاً، ومثله يدع في رفض مصدره وماضيه، فهذان الفعلان العابر والأمر منهما موجودان، يقال : فلان يدع كذا ويذر ويقال : دعه وذره أما الماضي والمصدر فغير موجودين منهما والأزواج ههنا النساء والعرب تسمي الرجل زوجاً وامرأته زوجاً له، وربما ألحقوا بها الهاء.
المسألة الثانية : قوله :﴿وَالَّذِينَ﴾ مبتدأ ولا بد له من خبر، واختلفوا في خبره على أقوال الأول : أن المضاف محذوف والتقدير، وأزواج الذين يتوفون منكم يتربصن والثاني : وهو / قول الأخفش التقدير : يتربصن بعدهم إلا أنه أسقط لظهوره كقوله : السمن منوان بدرهم وقوله تعالى :﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَالِكَ لَمِنْ عَزْمِ الامُورِ﴾ (الشورى : ٤٣) والثالث : وهو قول المبرد : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً، أزواجهم يتربصن، قال : وإضمار المبتدأ ليس بغريب قال تعالى :﴿قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَالِكُمُا النَّارُ﴾ (الحج : ٧٢) يعني هو النار، وقوله :﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ (يوسف : ١٨).
فإن قيل : أنتم أضمرتم ههنا مبتدأ مضافاً، وليس ذلك شيئاً واحداً بل شيئان، والأمثلة التي ذكرتم المضمر فيها شيء واحد.
قلنا : كما ورد إضمار المبتدأ المفرد، فقد ورد أيضاً إضمار المبتدأ المضاف، قال تعالى :﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِى الْبِلَـادِ * مَتَـاعٌ قَلِيلٌ﴾ (آل عمران : ١٩٦، ١٩٧) والمعنى : تقلبهم متاع قليل الرابع : وهو قول الكسائي والفراء، أن قوله تعالى :﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ﴾ مبتدأ، إلا أن الغرض غير متعلق ههنا ببيان حكم عائد إليهم، بل ببيان حكم عائد إلى أزوجهم، فلا جرم لم يذكر لذلك المبتدأ خبراً، وأنكر المبرد والزجاج ذلك، لأن مجىء المبتدأ بدون الخبر محال.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٦٥
المسألة الثالثة : قد بينا فيما تقدم معنى التربص، وبينا الفائدة في قوله :﴿بِأَنفُسِهِنَّ﴾ وبينا أن هذا وإن كان خبراً إلا أن المقصود منه هو الأمر، وبينا الفائدة في العدول عن لفظ الأمر إلى لفظ الخبر.
المسألة الرابعة : قوله :﴿وَعَشْرًا ﴾ مذكور بلفظ التأنيث مع أن المراد عشرة أيام، وذكروا في العذر عنه وجوهاً الأول : تغليب الليالي على الأيام وذلك أن ابتداء الشهر يكون من الليل، فلما كانت الليالي هي الأوائل غلبت، لأن الأوائل أقوى من الثواني، قال ابن السكيت : يقولون صمنا خمساً من الشهر، فيغلبون الليالي على الأيام، إذ لم يذكروا الأيام، فإذا أظهروا الأيام قالوا صمنا خمسة أيام الثاني : أن هذه الأيام أيام الحزن والمكروه، ومثل هذه الأيام تسمى بالليالي على سبيل الاستعارة، كقولهم : خرجنا ليالي الفتنة، وجئنا ليالي إمارة الحجاج والثالث : ذكره المبرد/ وهو أنه إنما أنث العشر لأن المراد به المدة، معناه وعشر مدد، وتلك المدة كل مدة منها يوم وليلة الرابع : ذهب بعض الفقهاء إلى ظاهر الآية، فقال : إذا انقضى لها أربعة أشهر وعشر ليال حلت للأزواج، فيتأول العشرة بالليالي، وإليه ذهب الأوزاعي وأبو بكر الأصم.
المسألة الخامسة : روي عن أبي العالية أن الله سبحانه إنما حد العدة بهذا القدر لأن الولد ينفخ فيه الروح في العشر بعد الأربعة، وهو أيضاً منقول عن الحسن البصري.
المسألة السادسة : اعلم أن هذه العدة واجبة في كل امرأة مات عنها زوجها إلا في صورتين أحداهما : أن تكون أمة فإنها تعتد عند أكثر الفقهاء نصف عدة الحرة، وقال أبو بكر الأصم : عدتها عدة الحرائر، وتمسك بظاهر الآية، وأيضاً الله تعالى جعل وضع الحمل في حق الحامل بدلاً / عن هذه المدة، ثم وضع الحمل مشترك فيه الحرة والرقيقة، فكذا الاعتداد بهذه المدة يجب أن يشتركا فيه، وسائر الفقهاء قالوا : التنصيف في هذه المدة ممكن، وفي وضع الحمل غير ممكن، فظهر الفرق.
الصورة الثانية : أن يكون المراد إن كانت حاملاً فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل، فإذا وضعت الحمل حلت، وإن كان بعد وفاة الزوج بساعة، وعن علي عليه السلام : تتربص أبعد الأجلين، والدليل عليه القرآن والسنة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٦٥


الصفحة التالية
Icon