المسألة الثانية : قرأ ابن كثير ونافع وأبو بكر عن عاصم ﴿قَدَرُه ﴾ بسكون الدال، والباقون قدره بفتح الدال، وهما لغتان في جميع معاني القدر، يقال : قدر القوم أمرهم يقدرونه قدراً، وهذا قدر هذا، واحمل على رأسك قدر ما تطيق، وقدر الله الرزق يقدره ويقدره قدراً، وقدرت الشيء بالشيء أقدره قدراً، وقدرت على الأمر أقدر عليه قدرة، كل هذا يجوز فيه التحريك والتسكين، يقال : هم يختصمون في القدر والقدر، وخدمته بقدر كذا وبقدر كذا، قال الله تعالى :﴿فَسَالَتْ أَوْدِيَة بِقَدَرِهَا﴾ (الرعد : ١٧) وقال :﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِه ﴾ (الأنعام : ٩١) ولو حرك لكان جائزاً، وكذلك :﴿إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَـاهُ بِقَدَرٍ﴾ (القمر : ٤٩) ولو خفف جاز.
المسألة الثالثة : أن قوله تعالى :﴿عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُه وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُه ﴾ يدل على أن تقدير المتعة مفوض إلى الاجتهاد، ولأنها كالنفقة التي أوجبها الله تعالى للزوجات، وبين أن الموسع يخالف المقتر وقال الشافعي : المستحب على الموسع خادم، وعلى المتوسط ثلاثون درهماً، وعلى المقتر مقنعة، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : أكثر المتعة خادم وأقلها مقنعة، وأي قدر أدى جاز في جانبي الكثرة والقلة، وقال أبو حنيفة المتعة لا تزاد على نصف مهر المثل، قال : لأن حال المرأة التي يسمى لها المهر أحسن من حال التي لم يسم لها، ثم لما لم يجب لها زيادة على نصف المسمى إذا طلقها قبل الدخول، فلأن لا يجب زيادة على نصف مهر المثل أولى والله أعلم.
أما قوله تعالى :﴿مَتَـاعَا بِالْمَعْرُوفِ ﴾ ففيه مسألتان :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٧٣
المسألة الأولى : معنى الآية أنه يجب أن يكون على قدر حال الزوج في الغنى والفقر، ثم اختلفوا فمنهم من يعتبر حالهما، وهو قول القاضي، ومنهم من يعتبر حال الزوج فقط قال أبو بكر الرازي رحمه الله في المتعة : يعتبر حال الرجل، وفي مهر المثل حالها، وكذلك في النفقة واحتج أبو بكر بقوله :﴿عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُه ﴾ واحتج القاضي بقوله :﴿بِالْمَعْرُوفِ ﴾ فإن ذلك يدل على حالهما لأنه ليس من المعروف أن يسوى بين الشريفة والوضيعة.
المسألة الثانية :﴿مَّتَـاعًا﴾ تأكيد لمتعوهن، يعني : متعوهن تمتيعاً بالمعروف و﴿حَقًّا﴾ صفة لمتاعاً أي : متاعاً واجباً عليهم، أو حق ذلك حقاً على المحسنين، وقيل : نصب على الحال من قدره لأنه معرفة، والعامل فيه الظرف، وقيل : نصب على القطع.
وأما قوله :﴿عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ ففي سبب تخصيصه بالذكر وجوه أحدها : أن المحسن هو الذي ينتفع بهذا البيان : كقوله :﴿إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَـاـاهَا﴾ (النازعات : ٤٥) والثاني : قال أبو مسلم : المعنى أن من أراد أن يكون من المحسنين فهذا شأنه وطريقه، والمحسن هو المؤمن، فيكون المعنى أن العمل بما ذكرت هو طريق المؤمنين الثالث :﴿حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ إلى أنفسهم في المسارعة إلى طاعة الله تعالى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٧٣
٤٧٨
اعلم أنه تعالى لما ذكر حكم المطلقة غير الممسوسة إذا لم يفرض لها مهر، تكلم في المطلقة غير الممسوسة إذا كان قد فرض لها مهر. وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : مذهب الشافعي أن الخلوة لا تقرر المهر، وقال أبو حنيفة : الخلوة الصحيحة / تقرر المهر، ويعني بالخلوة الصحيحة : أن يخلوا بها وليس هناك مانع حسي ولا شرعي، فالحسي نحو : الرتق والقرن والمرض، أو يكون معهما ثالث وإن كان نائماً، والشرعي نحو، الحيض والنفاس وصوم الفرض وصلاة الفرض والإحرام المطلق سواء كان فرضاً أو نقلاً، حجة الشافعي أن الطلاق قبل المسيس يوجب سقوط نصف المهر وههنا وجد الطلاق قبل المسيس فوجب القول بسقوط نصف المهر.