[ صراط الذين أنعمت عليهم ] أي طريق من تفضلت عليهم بالجود والإنعام، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا
[ غير المغضوب عليهم ولا الضالين ] أي لا تجعلنا يا ألله من زمرة أعدائك الحائدين عن الصراط المستقيم السالكين غير المنهج القويم، من اليهود المغضوب عليهم، أو النصارى الضالين، الذين ضلوا عن شريعتك القدسية، فاستحقوا الغضب واللعنة الأبدية. اللهم آمين.
البلاغة :
١- [ الحمد لله ] الجملة خبرية لفظاً، إنشائية معنى أي قولوا " الحمد لله " وهى مفيدة لقصر الحمد عليه تعالى كقولهم : الكرم فى الرعب.
٢- [ إياك نعبد وإياك نستعين ] فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، ولو جرى الكلام على الأصل لقال : إياه نعبد، وتقديم المفعول يفيد القصر – أعني الاختصاص – أي لا نعبد سواك كما فى قوله تعالى [ وإياي فارهبون ].
٣- قال فى البحر المحيط : وفى هذه السورة الكريمة من أنواع الفصاحة والبلاغة أنواع :
الأول : حسن الافتتاح وبراعة المطلع، حيث بدأ بجوامع الشكر والثناء.
الثانى : المبالغة فى الثناء لإفادة " ال " الاستغراق.
الثالث : تلوين الخطاب إذ صيغته الخبر، ومعناه الأمر، أي قولوا الحمد لله.
الرابع : الاختصاص فى قوله [ الله ] أي الحمد كله خاص به جل وعلا.
الخامس : الحذف كحذف " صراط " من قوله [ غير المغضوب عليهم ] تقديره غير صراط المغضوب عليهم وغير صراط الضالين، أى غير طريق الفريقين.
السادس : التقديم والتأخير فى [ إياك نعبد ].
السابع : التصريح بعد الإبهام [ الصراط المستقيم ] ثم فسره بقوله :
[ صراط الذين أنعمت عليهم ].
الثامن : الالتفات فى [ إياك نعبد وإياك نستعين ].
التاسع : طلب الشئ، والمراد به دوامه واستمراره فى [ إهدنا الصراط ] أى ثبتنا عليه، كقوله تعالى
[ يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ] أى اثبتوا على الإيمان.
العاشر : السجع المتوازى فى قوله :[ الرحمن الرحيم، الصراط المستقيم ] وقوله :[ نستعين.. الضالين ].
الفوائد :
الأولى : الفرق بين [ الله ] و[ الإله ] أن الأول اسم علم للذات المقدسة ذات البارى جل وعلا، ومعناه المعبود بحق، والثاني معناه المعبود بحق أو باطل، فهو اسم يطلق على الله تعالى وعلى غيره، بخلاف " الله " فإنه المعبود بحق.
الثانية : وردت الصبغة بلفظ الجمع " نعبد ونستعين " ولم يقل " إياك أعبد وإياك أستعين " بصيغة المفرد، وذلك للاعتراف بقصور العبد عن الوقوف فى باب ملك الملوك، فكأنه يقول : أنا يا رب العبد الحقيق الذليل، لا يليق بي أن أقف هذا الموقف فى مناجاتك بمفردي، بل أنضم إلى سلك المؤمنين الموحدين، فتقبل دعائى فى زمرتهم، فنحن يا رب جميعا نعبدك ونستعين بك.
الثالث : نسب النعمة إلى الله عز وجل [ أنعمت عليهم ] ولم ينسب إليهم الإضلال والغضب، فلم يقل : غضبت عليهم أو الذين أضللتهم، وذلك لتعليم العباد الأدب مع الله تعالى، فالشر لا ينسب إلى الله تعالى أدباً، وإن كان منه تقديراً، كما ورد فى الدعاء المأثور " الخير كله بيديك " والشر لا ينسب إليك ".
خاتمة فى بيان الأسرار القدسية فى فاتحة الكتاب العزيز
يقول شهيد الإسلام الشيخ حسن البنا في رسالته القيمة " مقدمة فى التفسير " ما نصه :" لا شك أن من تدبر الفاتحة الكريمة رأى من غزارة المعاني وجمالها، وروعة التناسب وجلاله، ما يأخذ بلبه، يضيء جوانب قلبه، فهو يبتدئ ذاكراً تالياً متيمناً باسم الله، الموصوف بالرحمة التى تظهر آثار رحمته متجددة فى كل شيء، فإذا استشعر هذا المعنى، ووقر فى نفسه انطلق لسانه بحمد هذا الإله


الصفحة التالية
Icon