فنادها : يا أم الدحداح قالت : لبيك، قال : أخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل، وفي
رواية قالت : ربح بيعك يا أبا الدحداح وخرجت منه مع عيالها.
الثالثة : قال البقاعي : ولعل ختام أخبار بني إسرائيل بهذه القصة، لما فيها النبي
(ص) من واضح الدلالة على صحة رسالته، لأنها مما لا يعلمه إلا القليل من حذاق
علماء بني إسرائيل..
قال الله تعالى :[ تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض.. إلى.. والكافرون هم
الظالمون ] من آية (٢٥٣) إلى نهاية آية (٢٥٤).
المناسبة :
لما ذكر تعالى في الآيات السابقة اصطفاء طالوت على بني إسرائيل، وتفضيل داود
عليهم بالملك والنبوة، ذكر في هذه الآية أن المرسلين ليسوا في درجة واحدة، بل
بعضهم أفضل من بعض كما يكون التفاضل بين البشر.
اللغة :
[ درجات ] جمع درجة وهي المنزلة الرفيعة السامية
[ البينات ] المعجزات
[ وأيدناه ] قويناه من التأييد بمعنى التقوية
[ روح القدس ] القدس : الطهارة، وروح القدس " جبريل " عليه السلام وقد تقدم
[ خلة ] الخلة : الصداقة والمودة سميت بذلك لأنها تتخلل الجسد
[ شفاعة ] مأخوذة من الشفع بمعنى الضم، والشفاعة الانضمام إلى آخر ناصرا له
وسائلا عونه.
التفسير :
[ تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ] أي أولئك الرسل الكرام الذين قصصنا عليك من
أنبائهم يا محمد، هم رسل الله حقا، وقد فضلنا بعضهم على بعض، في الرفعة
والمنزلة والمراتب العالية
[ منهم من كلم الله ] أي منهم من خصه الله بالتكليم بلا واسطة كموسى عليه السلام
[ ورفع بعضهم درجات ] أي ومنهم من خصه الله بالمرتبة الرفيعة السامية كخاتم
المرسلين (محمد) (ص) فهو سيد الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة، وكأبي
الأنبياء إبراهيم الخليل
[ وآتينا عيسى ابن مريم البينات ] أي ومنهم من أعطاه الله المعجزات الباهرات،
كإحياء الموتى، وإبراء الأعمى والأبرص، والإخبار عن المغيبات
[ وأيدناه بروح القدس ] أي قويناه بجبريل الأمين وهو " عيسى ابن مريم "
[ ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البيانات ] أي لو أراد
الله ما اقتتل الأمم الذين جاءوا بعد الرسل، من بعد الحجج الباهرة والبراهين
الساطعة التي جاءتهم بها رسلهم، فلو شاء الله ما تنازعوا ولا اختلفوا ولا
تقاتلوا، ولجعلهم متفقين على اتباع الرسل، كما أن الرسل متفقون على كلمة الحق
[ ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ] أي ولكن الله لم يشأ هدايتهم بسبب
اختلافهم في الدين، وتشعب مذاهبهم وأهوائهم، فمنهم من ثبت على الإيمان، ومنهم
من حاد وكفر
[ ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ] أي لو شاء الله جل وعلا لجعل
البشر على طبيعة الملائكة، لا يتنازعون ولا يقتتلون، ولكن الله حكيم يفعل ما
فيه المصلحة، وكل ذلك عن قضاء الله وقدره، فهو الفعال لما يريد
[ يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم ] أي أنفقوا في سبيل الله من مال الله
الذي منحكم إياه، ادفعوا الزكاة، وأنفقوا في وجوه الخير والبر والصالحات
[ من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ] أي من قبل مجيء ذلك اليوم
الرهيب، الذي لا تستطيعون أن تفتدوا منه نفوسكم بمال تقدمونه فيكون كالبيع، ولا
تجدون صديقا يدفع عنكم العذاب، ولا شفيعاً لكم ليحط عنكم من سيئاتكم، إلا أن
يأذن الله رب العالمين
[ والكافرون هم الظالمون ] أي لا أحد أظلم ممن وافى الله يومئذ كافرا، والكافر
بالله هو الظالم المعتدي، الذي يستحق العقاب، لأنه ظلم نفسه بالكفر.
البلاغة :
١- [ تلك الرسل ] الإشارة بالبعيد " تلك " لبعد مرتبتهم في الكمال.
٢- [ منهم من كلم الله.. ] الآية تفصيل لذلك التفضيل ويسمى هذا في البلاغة :
التقسيم، وكذلك في قوله :[ فمنهم من آمن ومنهم من كفر ] وبين لفظ " آمن " و " كفر "
طباق.


الصفحة التالية
Icon