ولكنه سؤال عن (كيفية الإحياء)، ويدل عليه وروده بصيغة [ كيف ] وموضوعها السؤال
عن الحال، ويؤيد المعنى قول النبى (ص) (نحن أحق بالشك من إبراهيم) ومعناه : ونحن
لم نشك، فلأن لا يشك إبراهيم أحرى وأولى!!.
قال الله تعالى :[ مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله.. إلى.. وما يذكر إلا
أولوا الألباب ] من آية (٢٦١) إلى نهاية آية (٢٦٩).
المناسبة :
لما ذكر تعالى في الآيات السابقة أن الناس فريقان : أولياء الله، وأولياء الطاغوت، ثم أعقبه بذكر نموذجا للإيمان ونموذج للطغيان، ذكر هنا ما يرغب المؤمن في الإنفاق في سبيل الله، وبخاصة في أمر الجهاد لأعداء الله، لأن ميادين الجهاد ثلاثة : أولها الإقناع بالحجة والبرهان، وثانيها الجهاد بالنفس، وثالثها الجهاد بالمال، فلما ذكر فيما سبق جهاد الدعوة، وجهاد النفس، شرع الآن في ذكر الجهاد بالمال.
اللغة :
[ المن ] أن يعتد بإحسانه على من أحسن إليه، وأن يذكره النعمة على سبيل التطاول
والتفضل، قال الشاعر :
أفسدت بالمن ما أسديت من حسن ليس الكريم إذا أسدى بمنان
[ رئاء الناس ] أي لا يريد بإنفاقه رضى الله وإنما يريد ثناء الناس، وأصله من
(الرؤية) وهو أن يرى الناس ما يفعله حتى يثنوا عليه ويعظموه
[ صفوان ] الصفوان : الحجر الأملس الكبير، قال الأخفش : وهو جمع، واحده صفوانة
وقيل : هو اسم جنس كالحجر
[ وابل ] الوابل : المطر الشديد
[ صلدا ] الصلد : الأملس من الحجارة وهو كل ما لا ينبت شيئا، ومنه جبين أصلد
[ بربوة ] الربوة : المكان المرتفع من الأرض، يقال : ربوة ورابية وأصله من ربا
الشيء إذا زاد وارتفع
[ طل ] الطل المطر الخفيف الذي تكون قطراته صغيرة، وقال قوم منهم مجاهد : الطل
الندى
[ وإعصار ] الإعصار : الريح الشديدة التى تهب من الأرض، وترتفع إلى السماء
كالعمود، ويقال لها : الزوبعة
[ تيمموا ] تقصدوا
[ تغمضوا ] من أغمض الرجل في أمر كذا إذا تساهل فيه وهذا كالإغضاء عند المكروه.
سبب النزول :
نزلت في " عثمان بن عفان " و " عبد الرحمن بن عوف " في غزوة تبوك، حيث جهز (عثمان) ألف بعير بأحلاسها وأقتابها ووضع بين يدي رسول الله (ص) ألف دينار، فصار رسول الله (ص) يقلبها ويقول : ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم، وأتى (عبد الرحمن بن عوف) النبى (ص) بأربعة آلاف درهم فقال يا رسول الله : كان عندى ثمانية آلاف درهم فأمسكت منها لنفسى ولعيالى أربعة آلاف، وأربعة آلاف أقرضتها ربي، فقال له رسول الله (ص) : بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت، فنزلت فيهما الآية [ مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله.. ] الآية. (( أخرجه البخاري، ومعناه كما قال
الخطابي : نفي الشك عنهما يقول : إذا لم أشك أنا في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، فإبراهيم أولى بأن لا يشك!! قال (ص) ذلك على سبيل التواضع والهضم للنفس )).
التفسير :
[ مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ] قال ابن كثير : هذا مثل ضربه الله تعالى لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته، وأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف أي مثل نفقتهم كمثل حبة زرعت فأنبتت سبع سنابل
[ في كل سنبلة مائة حبة ] أي كل سنبلة منها تحتوي على مائة حبة فتكون الحبة قد
أغلت سبعمائة حبة، وهذا تمثيل لمضاعفة الأجر لمن أخلص في صدقته، ولهذا قال
تعالى
[ والله يضاعف لمن يشاء ] أي يضاعف الأجر لمن أراد على حسب حال المنفق، من إخلاصه وابتغائه بنفقته وجه الله [ والله واسع عليم ] أي واسع الفضل، عليم بنية المنفق
[ الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى ] أي لا
يقصدون بإنفاقهم إلا وجه الله، ولا يعقبون ما أنفقوا من الخيرات والصدقات،


الصفحة التالية
Icon