بالمن على من أحسنوا إليه، كقوله : قد أحسنت إليك وجبرت حالك، ولا بالأذى كذكره
لغيره فيؤذيه بذلك
[ لهم أجرهم عند ربهم ] أي لهم ثواب ما قدموا من الطاعة عند الله
[ ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ] أي لا يعتريهم فزع يوم القيامة، ولا هم يحزنون
على فائت من زهرة الدنيا
[ قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى ] أي رد السائل بالتي هي أحسن والصفح عن إلحاحه، خير عند الله وأفضل من إعطائه ثم إيذائه، أو تعييره بذل السؤال
[ والله غني حليم ] أي مستغن عن الخلق حليم لا يعاجل العقوبة لمن خالف أمره.. ثم
أخبر تعالى عما يبطل الصدقة ويضيع ثوابها فقال
[ يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ] أي لا تحبطوا أجرها بالمن والأذى
[ كالذي ينفق ماله رئاء الناس ] أي كالمرائي الذي يبطل إنفاقه بالرياء
[ ولا يؤمن بالله واليوم الآخر ] أي لا يصدق بلقاء الله حتى يرجو ثوابا أو يخشى
عقابا
[ فمثله كمثل صفوان عليه تراب ] أي مثل ذلك المرائى بإنفاقه، كمثل الحجر الأملس
الذي عليه شيء من التراب، يظنه الظان أرضا طيبة منبتة
[ فأصابه وابل فتركه صلدا ] أي فإذا أصابه مطر شديد أذهب عنه التراب، فيبقى صلدا
أملس ليس عليه شيء من الغبار أصلا، كذلك هذا المنافق يظن أن له أعمالا صالحة،
فإذا كان يوم القيامة، اضمحلت وذهبت ولهذا قال تعالى
[ لا يقدرون على شيء مما كسبوا ] أي لا يجدون له ثوابا في الآخرة، فلا ينتفع بشيء
منها أصلا
[ والله لا يهدي القوم الكافرين ] أي لا يهديهم إلى طريق الخير والرشاد.. ثم ضرب
تعالى مثلا آخر للمؤمن المنفق ماله ابتغاء مرضات الله فقال
[ ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم ] أي ينفقونها
طلبا لمرضاته، وتصديقا بلقائه، وتحقيقا للثواب عليه
[ كمثل جنة بربوة ] أي كمثل بستان كثير الشجر بمكان مرتفع من الأرض، وخصت بالربوة لحسن شجرها وزكاء ثمرها
[ أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين ] أي أصابها مطر غزير، فأخرجت ثمارها جنية
مضاعفة، ضعفي ثمر غيرها من الأرض
[ فإن لم يصبها وابل فطل ] أي فإن لم ينزل عليها المطر الغزير، فيكفيها المطر
الخفيف، أو يكفيها الندى، لجودتها وكرم منبتها، ولطافة هوائها فهي تنتج على كل
حال [ والله بما تعملون بصير ] أي لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد
[ أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب ] أي أيحب أحدكم أن تكون له حديقة
غناء، فيها من أنواع النخيل والأعناب والثمار الشيء الكثير ؟
[ تجري من تحتها الأنهار ] أي تمر الأنهار من تحت أشجارها
[ له فيها من كل الثمرات ] أي ينبت له فيها جميع الثمار ومن كل زوج بهيج
[ وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء ] أي أصابته الشيخوخة فضعف عن الكسب، وله أولاد
صغار لا يقدرون على الكسب
[ فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت ] أي أصاب تلك الحقيقة ريح عاصفة شديدة معها
نار، فأحرقت الثمار والأشجار، أحوج ما يكون الإنسان إليها ؟
[ كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون ] أي مثل هذا البيان الواضح في هذا المثل الرائع المحكم، يبين الله لكم آياته في كتابه الحكيم، لكي تتفكروا وتتدبروا بما فيها من العبر والعظات
[ يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ] أي أنفقوا من الحلال الطيب من
المال الذي كسبتموه
[ ومما أخرجنا لكم من الأرض ] أي ومن طيبات ما أخرجنا لكم من الحبوب والثمار
[ ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ] أي ولا تقصدوا الرديء الخسيس فتتصدقوا منه
[ ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه ] أي لستم تقبلونه أنتم لو أعطيتموه، إلا إذا
تساهلتم وأغمضتم البصر، فكيف تؤدون منه حق الله!!
[ واعلموا أن الله غني حميد ] أي أنه سبحانه غني عن نفقاتكم، حميد يجازي المحسن
أفضل الجزاء.. ثم حذر تعالى من وسوسة الشيطان فقال


الصفحة التالية
Icon