[ الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ] أي الشيطان يخوفكم من الفقر إن تصدقتم،
ويغريكم بالبخل ومنع الزكاة
[ والله يعدكم مغفرة منه وفضلا ] أي وهو سبحانه يعدكم على إنفاقكم في سبيله مغرفة
للذنوب، وخلفا لما أنفقتموه زائدا عن الأصل
[ والله واسع عليم ] أي واسع الفضل والعطاء، عليم بمن يستحق الثناء
[ يؤتي الحكمة من يشاء ] أي يعطي العلم النافع المؤدي إلى العمل الصالح من شاء من
عباده
[ ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ] أي من أعطي الحكمة فقد أعطي الخير
الكثير، لمصير صاحبها إلى السعادة الأبدية
[ وما يذكر إلا أولوا الألباب ] أي ما يتعظ بأمثال القرآن وحكمه، إلا أصحاب العقول النيرة الخالصة من الهوى.
البلاغة :
١- [ كمثل حبة ] شبه سبحانه الصدقة التى تنفق في سبيله بحبة زرعت وباركها المولى، فأصبحت سبعمائة حبة، ففيه تشبيه " مرسل مجمل " لذكر أداة التشبيه وحذف وجه الشبه، قال أبو حيان : وهذا التمثيل تصوير للأضعاف كأنها ماثلة بين عيني الناظر.
٢- [ أنبتت سبع سنابل ] إسناد الإنبات إلى الحبة إسناد مجازي، ويسمى " المجاز
العقلي " لأن المنبت في الحقيقة هو الله تعالى لا الحبة، ولا الأرض.
٣- [ منا ولا أذى ] من باب ذكر العام بعد الخاص، لإفادة الشمول لأن الأذى يشمل
المن.
٤- [ كمثل صفوات عليه تراب ] فيه تشبيه يسمى " تشبيها تمثيليا " لأن وجه الشبه
منتزع من متعدد، وكذلك يوجد تشبيه تمثيلي في قوله [ كمثل جنة بربوة ]
٥- [ أيود أحدكم أن تكون له جنة.. ] الآية، لم يذكر المشبه ولا أداة التشبيه وهذا
النوع يسميه علماء البلاغة " استعارة تمثيلية " وهي تشبيه حال بحال لم يذكر فيه
سوى المشبه به فقط، وقامت قرائن تدل على إرادة التشبيه، والهمزة للاستفهام
والمعنى على التبعيد والنفي أي ما يود أحد ذلك.
٦- [ تغمضوا فيه ] المراد به هنا التجاوز والمساهلة، لأن الإنسان إذا رأى ما يكره
أغمض عينيه لئلا يرى ذلك، ففي الكلام استعارة لطيفة.
الفوائد :
الأولى : قال الزمخشري : المن أن يعتد على من أحسن إليه بإحسانه، وفي نوابغ الكلم
" صنوان من منح سائله ومن، ومن منع نائله وضن "، وقال الشاعر :
وإن امرءا أسدى إلى صنيعة وذكر فيها مرة للئيم
الثانية : المطر أوله رش، ثم طش، ثم طل، ثم نضح، ثم هطل، ثم وابل، والمطر
الوابل : الشديد الغزير.
الثالثة : قال عمر بن الخطاب يوما لأصحاب النبى (ص) :" فيمن ترون هذه الآية نزلت
[ أيود أحدكم أن تكون له جنة ] ؟ قالوا : الله أعلم !! فغضب عمر فقال : قولوا نعلم
أو لا نعلم، فقال ابن عباس : في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين، فقال عمر : يا
ابن أخي قل، ولا تحقر نفسك، فقال ابن عباس : ضربت مثلا بعمل لرجل غني يعمل بطاعة
الله، ثم بعث له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله " أخرجه البخاري.
الرابعة : قال الحسن البصرى :( هذا مثل قل والله من يعقله : شيخ كبير، ضعف جسمه،
وكثر صبيانه، أفقر ما كان إلى جنته، فجاءها الإعصار فأحرقها، وإن أحدكم والله
أفقر ما يكون إلى عمله إذا انقطعت عنه الدنيا ).
قال الله تعالى :[ وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر.. إلى.. ولا خوف عليهم
ولا هم يحزنون ] من آية (٢٧٠) إلى نهاية آية (٢٧٤).
المناسبة :
لا تزال الآيات تتحدث عن الإنفاق في وجوه البر والخير، وأعلاها الجهاد في سبيل
الله، والإنفاق لإعلاء كلمته، وترغب في إخفاء الصدقات، لأنها أبعد عن الرياء،
فوجه المناسبة ظاهر.
اللغة :
[ فنعما ] أصلها " نعم ما " أدغمت الميمان فصارت نعما، قال الزجاج : أي نعم الشيء
هو، [ أحصروا ] الحصر : الحبس أي حبسوا أنفسهم على الجهاد، وقد تقدم معنى الحصر
[ التعفف ] من العفة يقال : عف عن الشيء أمسك عنه وتنزه عن طلبه والمراد التعفف عن السؤال