[ لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون ] أي لهم ثوابهم الكامل في
الجنة، ولا يخافون يوم الفزع الأكبر، ولا يحزنون على ما فاتهم في الدنيا
[ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ] أي
اخشوا ربكم وراقبوه فيما تفعلون، واتركوا ما لكم من الربا عند الناس، إن كنتم
مؤمنين بالله حقا
[ فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ] أي وإن لم تتركوا التعامل بالربا،
فأيقنوا بحرب الله ورسوله لكم، قال ابن عباس : يقال لآكل الربا يوم القيامة : خذ
سلاحك للحرب ((تجرأ بعض المفتونين بالجاه والمنصب، ممن ينتسب إلى أهل العلم،
بتحليل (فوائد البنوك) الربوية، وزعم أنه نوع من الاستثمار، وهو تضليل للأمة
خطير، تحت ستار (الفتوى) وقد باء بالخزي والعار، وغضب الجبار، وقد رددت عليه في رسالة خاصة بعنوان (جريمة الربا أخطر الجرائم الدينية والاجتماعية) ونسأل الله
أن يعصم الأمة، من فتنة علماء السوء، الذين حذر منهم رسول الله (ص) بقوله :
(إنما أخشى على أمتي الأئمة المضلين))!!
[ وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ] أي إن رجعتم عن الربا
وتركتموه، فلكم أصل المال الذي دفعتموه من غير زيادة ولا نقصان
[ وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ] أي إذا كان المستدين معسرا، فعليكم أن
تمهلوه إلى وقت اليسر، لا كما كان أهل الجاهلية يقول أحدهم لمدينه : إما أن تقضي
وإما أن تربي
[ وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون ] أي إن تجاوزتم عما لكم عنده فهو أكرم
وأفضل، إن كنتم تعلمون ما فيه من الذكر الجميل والأجر العظيم.. ثم حذر تعالى
عباده من ذلك اليوم الرهيب، الذي لا ينفع فيه إلا العمل الصالح فقال سبحانه :
[ واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ] أي
احذروا يوما سترجعون فيه إلى ربكم، ثم توفى كل نفس حسابها وأنتم لا تظلمون، وقد
ختمت هذه الآيات الكريمة بهذه الآية الجامعة المانعة التي كانت آخر ما نزل من
القرآن، وبنزولها انقطع الوحي، وفيها تذكير العباد بذلك اليوم العصيب الشديد،
قال ابن كثير : هذه الآية آخر ما نزل من القرآن العظيم، وقد عاش النبى (ص) بعد
نزولها تسع ليال، ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى (ص).
البلاغة :
١- [ إنما البيع مثل الربا ] فيه تشبيه يسمى (التشبيه المقلوب) وهو أعلى مراتب
التشبيه، حيث يجعل المشبه مكان المشبه به كقول الشاعر : كأن ضياء الشمس غرة
جعفر. والأصل في الآية أن يقال : الربا مثل البيع ولكنه بلغ من اعتقادهم في حل
الربا أن جعلوه أصلا يقاس عليه فشبهوا به البيع، وهذا منتهى الفجور والعدوان.
٢- [ أحل الله البيع وحرم الربا ] بين لفظ " أحل " و " حرم " طباق، وكذلك بين لفظ
" يمحق " و " يربي ".
٣- [ كفار أثيم ] صيغة فعال وفعيل للمبالغة فقوله [ كفار أثيم ] صيغتان للمبالغة،
أي عظيم الكفر، شديد الإثم والعدوان.
٤- [ فأذنوا بحرب ] التنكير للتهويل أي بنوع من الحرب عظيم لا يقادر قدره كائن من
عند الله، أفاده أبو السعود.
٥- [ لا تظلمون ولا تظلمون ] فيه من المحسنات البديعية ما يسمى " الجناس الناقص "
لاختلاف حركات بعض الحروف.
٦- [ واتقوا يوما ] التنكير للتفخيم والتهويل.
الفوائد :
الأولى عبر بقوله [ يأكلون الربا ] عن الانتفاع به لأن الأكل هو الغالب في المنافع، وسواء في ذلك المعطي والآخذ لقول جابر في الحديث الشريف " لعن رسول الله (ص) آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال : هم سواء ".
الثانية : شبه تعالى المرابين بالمصروعين الذين تتخبطهم الشياطين، وذلك لأن الله
عز وجل أربى فى بطونهم ما أكلوا من الربا، فأثقلهم فصاروا مخبلين ينهضون
ويسقطون، قال سعيد بن جبير : تلك علامة آكل الربا يوم القيامة.