الثالثة : يقول شهيد الإسلام سيد قطب عليه الرحمة عند هذه الآية [ لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ] ما نصه :" إنها الحملة المفزعة والتصوير المرعب، وما كان أي تهديد معنوي ليبلغ إلى الحس ما تبلغه هذه الصورة الحية المجسمة، صورة الممسوس المصروع، ولقد مضت معظم التفاسير على أن المقصود بالقيام في هذه الصورة المفزعة هو (القيام يوم البعث)، ولكنها – فيما نرى – واقعة في هذه الأرض أيضا على البشرية الضالة التى تتخبط كالممسوس في حكم (النظام
الربوي)، إن العالم الذي نعيش فيه اليوم هو عالم القلق والاضراب، والخوف
والأمراض العصبية والنفسية، وذلك على الرغم من كل ما بلغته الحضارة المادية،
وعلى الرغم من كل مظاهر الرخاء المادي، ثم هو عالم الحروب الشاملة، والتهديد
الدائم بالحروب المبيدة وحرب الأعصاب، والاضطرابات التي لا تنقطع هنا وهناك ".
أقول : هذا قول مقبول، ورأي حسن.
الرابعة : أخرج البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال :" كان رجل يداين
الناس فكان يقول لفتاه، إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا،
فلقي الله فتجاوز عنه ".
قال الله تعالى :[ يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين.. إلى.. والله بما تعملون بصير ] من آية (٢٨٢) إلى نهاية آية (٢٨٣).
المناسبة :
لما ذكر تعالى (الربا) وبين ما فيه من قباحة وشناعة، لأنه زيادة مقتطعة من عرق
المدين ولحمه، وهو كسب خبيث يمقته الإسلام ويحرمه، أعقبه بذكر (القرض الحسن)
بلا فائدة، وذكر الأحكام الخاصة بالدين والتجارة والرهن، وكلها طرق شريفة لتنمية المال وزيادته، بما فيه صلاح الفرد والمجتمع، وآية الدين أطول آيات القرآن على الإطلاق، مما يدل على عناية الإسلام بالنظم الاقتصادية.
اللغة :
[ وليملل ] من الإملاء وهو أن يلقى عليه ما يكتبه يقال : أمل وأملى
[ يبخس ] البخس : النقص
[ تسأموا ] السأم والسآمة : الملل من الشيء والضجر منه
[ أقسط ] القسط : بكسر القاف العدل يقال : أقسط الرجل إذا عدل، وبفتح القاف الجور
يقال : قسط أي جار ومنه
[ وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ]
[ تضل ] قال أبو عبيد : معنى تضل أي تنسى والضلال عن الشهادة نسيان جزء منها
[ أدنى ] اقرب
[ ترتابوا ] تشكوا، من الريب بمعنى الشك
[ فرهان ] جمع رهن وهو ما يدفع إلى الدائن توثيقا للدين.
التفسير :
[ يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ] أي إذا تعاملتم بدين مؤجل فاكتبوه، وهذا إرشاد منه تعالى لعباده بكتابة المعاملات المؤجلة ليكون ذلك أحفظ وأوثق لمقدارها وميقاتها
[ وليكتب بينكم كاتب بالعدل ] أي وليكتب لكم كاتب عادل مأمون، لا يجور على أحد
الطرفين
[ ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله ] أي ولا يمتنع أحد من الكتابة بالعدل كما
علمه الله
[ فليكتب وليملل الذي عليه الحق ] أي وليملل على الكاتب ويلقي عليه (المدين) وهو
الذي عليه الحق، لأنه المقر المشهود عليه
[ وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا ] أي وليخش الله رب العالمين ولا ينقص من
الحق شيئا
[ فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا ] أي إن كان المدين ناقص العقل مبذرا،
أو كان صبيا أو شيخا هرما
[ أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل ] أي لا يستطيع الإملاء بنفسه، لعي
أو خرس أو عجمة فليملل قيمه أو وكيله بالعدل، من غير نقص أو زيادة
[ واستشهدوا شهيدين من رجالكم ] أي اطلبوا مع الكتابة أن يشهد لكم شاهدان من
المسلمين، زيادة في التوثقة
[ فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ] أي فإن لم يكن
الشاهدان رجلين، فليشهد رجل وامرأتان ممن يوثق بدينهم وعدالتهم
[ أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ] أي تنسى إحدى المرأتين الشهادة فتذكرها


الصفحة التالية
Icon