الأخرى، وهذا علة لوجوب الاثنين لنقص الضبط فيهن
[ ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ] أي ولا يمتنع الشهداء عن أداء الشهادة أو
تحملها إذا طلب منهم ذلك
[ ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ] أي لا تملوا أن تكتبوا الدين،
صغيرا كان أو كبيرا، قليلا أو كثيرا إلى وقت حلول ميعاده
[ ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا ] أي ما أمرناكم به من
كتابة الدين، أعدل في حكمه تعالى، وأثبت للشهادة لئلا تنسى، واقرب أن لا تشكوا
في قدر الدين والأجل
[ إلا أن تكون تجارة حضارة تديرونها بينكم ] أي إلا إذا كان البيع حاضرا، يدا بيد
والثمن مقبوضا
[ فليس عليكم جناح ألا تكتبوها ] أي فلا بأس بعدم كتابتها لانتفاء المحذور
[ وأشهدوا إذا تبايعتم ] أي أشهدوا على حقكم مطلقا سواء كان البيع ناجزا أو
بالدين، لأنه أبعد عن النزاع والاختلاف
[ ولا يضار كاتب ولا شهيد ] أي لا يضر صاحب الحق الكتاب والشهود
[ وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم ] أي إن فعلتم ما نهيتم عنه، فقد فسقتم بخروجكم عن
طاعة الله
[ واتقوا الله ويعلمكم الله ] أي خافوا الله وراقبوه، يمنحكم الله العلم النافع
الذي به سعادة الدارين
[ والله بكل شيئ عليم ] أي عالم بالمصالح والعواقب، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء
[ وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة ] أي إن كنتم مسافرين وتداينتم
إلى أجل مسمى، ولم تجدوا من يكتب لكم، فليكن بدل الكتابة رهان مقبوضة يقبضها
صاحب الحق وثيقة لدينه
[ فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه ] أي فإن أمن
الدائن المدين فاستغنى عن الرهن، ثقة بأمانة صاحبه فليدفع ذاك المؤتمن الدين
الذي عليه، وليتق الله في رعاية حقوق الأمانة
[ ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ] أي إذا دعيتم إلى أداء شهادة
فلا تكتموها فإن كتمانها إثم كبير، يجعل القلب آثما وصاحبه فاجرا، وخص القلب
بالذكر لأنه سلطان الأعضاء، إذا صلح صلح الجسد كله، وإذا فسد فسد الجسد كله
[ والله بما تعملون عليم ] أي لا يخفى عليه شيء من أعمال وأفعال العباد، وفيه
تهديد ضمني.
البلاغة :
١- في الآية من ضروب الفصاحة " الجناس المغاير " في قوله [ تداينتم بدين ] وفي
[ استشهدوا شهيدين ] وفي [ اؤتمن أمانته ] وفي [ يعلمكم.. وعليم ].
٢- الطباق في قوله [ صغيرا أو كبيرا ] وفي [ أن تضل.. وتذكر ] لأن الضلال هنا بمعنى
النسيان.
٣- وفي الآية أيضا الإطناب في قوله [ فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب
كاتب ] وفي [ فليملل الذي عليه الحق.. فإن كان الذي عليه الحق ] وفي [ أن تضل
إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ].
٤- الإيجاز بالحذف وذلك كثير وقد ذكر أمثلته صاحب البحر المحيط.
٥- كرر لفظ الجلالة في الجمل الثلاث [ واتقوا الله ] [ ويعلمكم الله ] [ والله بكل
شيء عليم ] لإدخال الروعة وتربية المهابة في النفوس.
٦- [ وليتق الله ربه ] جمع ما بين الاسم الجليل والنعت الجميل، مبالغة في
التحذير.
فائدة :
العلم نوعان : كسبي ووهبي، أما الأول فيكون تحصيله بالاجتهاد والمثابرة والمذاكرة، وأما الثاني فطريقه تقوى الله والعمل الصالح كما قال تعالى [ واتقوا الله ويعلمكم الله ] وهذا العلم يسمى " العلم اللدني " أي الوهبي [ وآتيناه من لدنا علما ] وهو العلم النافع الذي يهبه الله لمن شاء من عباده المتقين، وإليه أشار الإمام الشافعي بقوله :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي
قال الله تعالى :[ لله ما في السماوات وما في الأرض.. إلى.. أنت مولانا فانصرنا
على القوم الكافرين ] من آية (٢٨٤) إلى نهاية آية (٢٨٦).
المناسبة :


الصفحة التالية
Icon