ناسب ختم هذه السورة الكريمة بهذه الآيات لأنها اشتملت على تكاليف كثيرة في (الصلاة، والزكاة، والقصاص، والصوم، والحج والجهاد والطلاق والعدة وأحكام الربا
والبيع والدين) إلخ فناسب تكليفه إيانا بهذه الشرائع، أن يذكرنا تعالى بأنه مالك لما في السموات وما في الأرض فهو يكلف من يشاء بما يشاء، والجزاء على الأعمال إنما يكون في الدار الآخرة، وكان ختام السورة بهذه الآيات، على سبيل الوعيد والتهديد!!
اللغة :
[ إصرا ] الإصر في اللغة : الثقل والشدة قال النابغة :
يا مانع الضيم أن يغشى سراتهم والحامل الإصرعنهم بعد ما عرفوا
وسميت التكاليف الشاقة إصرا لأنها تثقل كاهل صاحبها كما يسمى العهد إصراً لأنه
ثقيل.
[ طاقة ] الطاقة : القدرة على الشيء من أطاق الشيء وهو مصدر جاء على غير قياس
الفعل
[ اعف عنا ]، العفو : الصفح عن الذنب
[ واغفر لنا ] الغفران : ستر الذنب ومحوه.
سبب النزول :
لما نزل قوله تعالى [ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ] الآية
اشتد ذلك على أصحاب رسول الله (ص) فأتوا رسول الله فقالوا : كلفنا من الأعمال ما
نطيق : الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها!!
فقال (ص) : أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم :[ سمعنا وعصينا ] ؟
قولوا [ سمعنا وأطعنا ] فلما قرأها القوم وجرت بها ألسنتهم، أنزل الله تعالى :
[ آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه ] ونسخها الله تعالى فأنزل [ لا يكلف الله نفسا
إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ] الآية.
التفسير :
[ لله ما في السموات وما في الأرض ] أي هو سبحانه المالك لما في السموات والأرض
المطلع على ما فيهن
[ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ] أي إن أظهرتم ما في أنفسكم
من السوء أو أسررتموه فإن الله يعلمه ويحاسبكم عليه
[ فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير ] أي هو سبحانه يمحو الذنب
عمن يشاء، ويعاقب من يشاء، وهو القادر على كل شيء، الذي لا يسأل عما يفعل وهم
يسألون
[ آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون ] أي صدق محمد (ص) بما أنزل الله
إليه من القرآن والوحي، وكذلك المؤمنون
[ كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ] أي الجميع من النبي والأتباع، صدق بوحدانية الله، وآمن بملائكته، وكتبه، ورسله
[ لا نفرق بين أحد من رسله ] أي لا نؤمن بالبعض ونكفر بالبعض، كما فعل اليهود
والنصارى، بل نؤمن بجميع رسل الله دون تفريق
[ وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ] أي أجبنا دعوتك وأطعنا أمرك،
فنسألك يا ألله المغفرة لما اقترفناه من الذنوب، وإليك وحدك يا ألله المرجع والمآب.
[ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ] أي لا يكلف المولى تعالى أحدا فوق طاقته
[ لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ] أي لكل نفس جزاء ما قدمت من خير، وجزاء ما
اقترفت من شر
[ ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ] أي قولوا ذلك في دعائكم، والمعنى : لا
تعذبنا بما يصدر عنا، بسبب النسيان أو الخطأ
[ ربنا لا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ] أي ولا تكلفنا
بالتكاليف الشاقة التي نعجز عنها كما كلفت بها من قبلنا من الأمم، كقتل النفس
في التوبة، وقرض موض النجاسة
[ ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ] أي لا تحملنا ما لا قدرة لنا عليه من
التكاليف والبلاء
[ واعف عنا واغفر لنا وارحمنا ] أي امح عنا ذنوبنا، واستر سيئاتنا، فلا تفضحنا
يوم الحشر الأكبر، وارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء
[ أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ] أي أنت يا ألله ناصرنا ومتولي أمورنا
فلا تخذلنا، وانصرنا على أعدائنا وأعداء دينك من القوم الكافرين، الذين جحدوا


الصفحة التالية
Icon