[ ابتغاء الفتنة وابتغاء تاويله ] أى طلبا لفتنة الناس في دينهم، وايهاما للاتباع بانهم يبتغون تفسير كلام الله، كما فعل النصارى الضالون حيث احتجوا بقوله تعالى (وكلمته القاها الى مريم وروح منه ) على ان عيسى ابن الله لانه (وروح منه ) فادعوا الوهيته، وتركوا المحكم وهو قوله تعالى (ان هو الا عبد انعمنا عليه ) الدال على انه عبد من عباد الله ورسول من رسله
[ وما يعلم تاويله الا الله ] أى لا يعلم تفسير المتشابه ومعناه الحقيقي الا الله وحده
[ والراسخون في العلم يقولون امنا به ] أى الثابتون المتمكنون من العلم، يؤمنون بالمتشابه وانه من عند الله
[ كل من عند ربنا ] أى كل من المتشابه والمحكم حق وصدق لانه كلام الله، قال تعالى
[ وما يذكر الا اولوا الالباب ] أى ما يتعظ ويتدبر الا اصحاب العقول السليمة المستنيرة
[ ربنا لا تزغ قلوبنا ] أى لا تملها عن الحق ولا تضلنا
[ بعد اذ هديتنا ] أى بعد ان هديتنا الى دينك القويم، وشرعك المستقيم
[ وهب لنا من لدنك رحمة ] أى امنحنا من فضلك وكرمك، رحمة تثبتنا بها على دينك الحق
[ انك انت الوهاب ] أى انت يا رب المتفضل على عبادك بالعطاء والاحسان
[ ربنا انك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ] أى جامع الخلائق في ذلك اليوم الرهيب " يوم الحساب " الذي لا شك فيه
[ ان الله لا يخلف الميعاد ] أى وعدك حق وانت يا رب لا تخلف الموعد، كقوله تعالى (ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه ومن اصدق من الله حدبثا) ؟ !
البلاغة :
١ - [ نزل عليك الكتاب ] عبر عن القران بالكتاب، ايذانا بكمال تفوقه على بقية الكتب السماوية، الحقيق بان يطلق عليه اسم الكتاب.
٢ - [ لما بين يديه ] كناية عما تقدمه وسبقه من الكتب السماوية.
٣ - [ وانزل الفرقان ] أى انزل سائر ما يفرق بين الحق والباطل، وهذا من باب " عطف العام على الخاص " لافادة الشمول، مع العناية بالخاص تنويها لشانه.
٤ - [ هن ام الكتاب ] هذه استعارة لطيفة، والمراد بها ان هذه الايات، جماع الكتاب واصله، فهي بمنزلة الام له، كما يتعلق الولد بامه، ويفزع اليها في مهمه.
٥ - [ والراسخون في العلم ] وهذه استعارة ايضا، والمراد بها المتمكنون في العلم، تشبيها برسوخ الشيء الثقيل في الارض الخوارة، وهو ابلغ من قوله : والثابتون في العلم.
الفوائد :
الاولى : روى مسلم عن عائشة ان رسول الله (ص) تلا [ هو الذي انزل عليك الكتاب منه ايات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات ] الاية ثم قال :" اذا رايتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فاولئك الذين سماهم الله فاحذروهم ".
الثانية : قال القرطبي : احسن ما قيل قي المتشابه والمحكم : ان المحكم ما عرف تاويله، وفهم معناه وتفسيره، والمتشابه ما استاثر الله تعالى بعلمه دون خلقه ولم يكن لاحد الى علمه سبيل، مثل وقت قيام الساعة، وخروج ياجوج وماجوج، وخروج الدجال، وعيسى، ونحو الحروف المقطعة في اوائل السور.
الثالثة : ايات القران قسمان : محكمات ومتشابهات كما دلت عليه الاية الكريمة، فان قيل : كيف يمكن التوفيق بين هذه الاية وبين ما جاء في سورة هود ان القران كله محكم
[ كتاب احكمت اياته ] وما جاء في الزمر ان القران كله متشابة [ نزل احسن الحديث كتابا متشابها ] ؟ ! فالجواب ان لا تعارض بين الايات، اذ كل اية لها معنى خاص غير ما نحن في صدده فقوله [ احكمت اياته ] بمعنى انه ليس به عيب، وانه كلام حق فصيح الالفاظ، صحيح المعاني وقوله
[ كتابا متشابها ] بمعنى انه يشبه بعضه بعضا في الحسن، ويصدق بعضه بعضا، فلا تعارض بين الايات.