لما اصاب رسورل الله (ص) قريشا ببدر، ورجع الى المدينة، جمع اليهود فقال لهم : يا معشر اليهود اسلموا قبل ان يصيبكم الله بما اصاب قريشا، فقد عرفتم اني نبى مرسل ! ! فقالوا يا محمد : لا يغرنك من نفسك، انك قتلت نفرا من قريش كانوا اغمارا - يعني جهالا- لا علم لهم بالحرب، انك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الرجال، وانك لم تلق مثلنا فانزل الله (قل للذين كفروا ستغلبون) الاية.
التفسير :
[ ان الذين كفروا لن تغنى عنهم اموالهم ولا اولادهم ] أى لن تفيدهم الاموال والاولاد، ولن تدفع عنهم من عذاب الله في الاخرة
[ من الله شيئا ] أى من عذاب الله وأليم عقابه
[ واولئك هم وقود النار ] أى هم حطب جهنم الذي تسجر، وتوقد به النار
[ كدأب ال فرعون ] أى حال هؤلاء الكفار وشأنهم، كحال وشأن ال فرعون، وصنيعهم مثل صنيعهم
[ والذين من قبلهم ] أى من قبل ال فرعون من الأمم الكافره، كقوم هود وصالح وشعيب
[ كذبوا باياتنا ] أى كذبوا بالايات التي تدل على رسالات الرسل
[ فاخذهم الله بذنوبهم ] أى اهلكهم وعاقبهم بسبب الكفر والمعاصي
[ والله شديد العقاب ] اي اليم العذاب شديد البطش. والغرض من الايه ان كفار قريش كفروا كما كفر اولئك المعاندون من ال فرعون ومن سبقهم، فكما لم تنفع اولئك أموالهم ولا اولادهم، فكذلك لن تنفع هؤلاء.
[ قل للذين كفروا ] أى قل يا محمد لليهود ولجميع الكفار
[ ستغلبون ] أى تهزمون في الدنيا
[ وتحشرون الى جهنم ] اي تجمعون وتساقون الى جهنم
[ وبئس المهاد ] اى بئس المهاد والفراش الذي تمتهدونه نار جهنم
[ قد كان لكم اية ] أى قد كان لكم يا معشر اليهود عظة وعبرة
[ في فئتين التقتا ] أى في طائفتين التقتا للقتال يوم بدر
[ فئة تقاتل في سبيل الله ] أي طائفة مؤمنة تقاتل لاعلاء دين الله
[ واخرى كافرة ] أى وطائفة اخرى كافرة تقاتل في سبيل الطاغوت، وهم كفار قريش
[ يرونهم مثليهم ] أى يرى المؤمنون الكافرين اكثر منهم مرتين
[ رأى العين ] أى رؤية ظاهرة مكشوفة بالعين المجردة، لا بالوهم والخيال، لقوله تعالى :[ رأى العين ] أى رؤية حقيقة لا بالخيال
[ والله يؤيد بنصره من يشاء ] أى يقوى بنصره من يشاء
[ ان في ذلك لعبرة ] أى لأية وموعظة
[ لأولي الأبصار ] أى لذوي العقول السليمة والافكار المستقيمة. ومغزى الاية أن القوة المادية ليست كل شيء، وأن النصر لا يكون بكثرة العدد والعتاد، وانما يكون بمعونة الله وتاييده، كقوله [ ان ينصركم الله فلا غالب لكم ] ثم اخبر تعالى عن اغترار الناس بشهوات الحياة الفانية فقال
[ زين للناس حب الشهوات من النساء ] أى حسن اليهم وحبب الى نفوسهم، الميل نحو الشهوات، وبدأ بالنساء لان الفتنة بهن اشد، والالتذاذ بهن اكثر، وفي الحديث " ما تركت بعدي فتنة هي اضر على الرجال من النساء " ثم ذكر ما يتولد منهن فقال
[ والبنين ] وانما ثنى بالبنين لانهم ثمرات القلوب وقرة الاعين كما قال القائل : وانما اولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الارض
لوهبت الريح على بعضهم لامتنعت عيني عن الغمض، وقدموا على الاموال، لان حب الانسان لولده اكثر من حبه لماله
[ والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة ] أى الاموال الكثيرة المكدسة من الذهب والفضة، وانما كان المال محبوبا لانه يحصل به غالب الشهوات، والمرء يرتكب الاخطار في تحصيله (وتحبون المال حبا جما) والذهب والفضة اصل التعامل، ولذا خصا بالذكر
[ والخيل المسومة ] أى الأصيلة الحسان
[ والانعام ] أى الابل والبقر والغنم، فمنها المركب والمطعم والزينة
[ والحرث ] أى الزرع والغراس لان فيه تحصيل اقواتهم
[ ذلك متاع الحياة الدنيا ] أى انما هذه الشهوات زهرة الحياة الدنيا، وزينتها الفانية الزائلة
[ والله عنده حسن الماب ] اي حسن المرجع والثواب