لما مدح تعالى المؤمنين واثنى عليهم بقوله [ الذين يقولون ربنا اننا امنا ] اردفه بأن بين أن دلائل الايمان ظاهرة جلية فقال [ شهد الله انه لا اله الا هو ] ثم بين ان الاسلام هو الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده، وامر الرسول بان يعلن استسلامه لله وانقياده لدين الله، واعقبه بذكر ضلالات اهل الكتاب واختلافهم في امر الدين اختلافا كبيرا، واعراضهم عن قبول حكم الله تبارك وتعالى.
اللغة :
[ شهد ] الشهادة : الاقرار والبيان
[ القسط ] العدل
[ الدين ] اصل الدين في اللغة : الجزاء ويطلق على الملة وهو المراد هنا
[ الاسلام ] الاسلام في اللغة : الاستسلام والانقياد التام، ومعناه اخلاص الدين والعقيدة لله تعالى
[ حاجوك ] جادلوك ونازعوك
[ غرهم ] فتنهم
[ يفترون ] يكذبون.
سبب النزول :
لما استقر رسول الله (ص) بالمدينة قدم عليه حبران من احبار الشام، فلما دخلا عليه عرفاه بالصفة والنعت، فقالا له : انت محمد ؟ قال : نعم، قالا : وانت احمد ؟ قال نعم، قالا : نسألك عن شهادة فأن اخبرتنا بها امنا بك وصدقناك، فقال لهما رسول الله (ص) : سلاني، فقالا : اخبرنا عن اعظم شهادة في كتاب الله ؟ فنزلت [ شهد الله انه لا اله الا هو ] الاية فاسلم الرجلان، وصدقا برسول الله (ص).
التفسير
[ شهد الله انه لا اله الا هو ] أى بين ووضح تعالى لعباده انفراده بالوحدانية، قال الزمخشري : شبهت دلالته على وحدانيته بشهادة الشاهد في البيان والكشف
[ والملائكة واولوا العلم ] اي وشهدت الملائكة واهل العلم بوحدانيته، بدلائل خلقه وبديع صنعه
[ قائما بالقسط ] أى مقيما للعدل فيما يقسم من الاجال والارزاق
[ لا اله الا هو ] أى لا معبود في الوجود بحق الا هو
[ العزيز الحكيم ] اي العزيز في ملكه، الحكيم في صنعه
[ ان الدين عند الله الاسلام ] أى الدين المقبول عند الله هو الاسلام، ولا دين يرضاه الله سوى الاسلام
[ وما اختلف الذين اوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم ] أى وما اختلف اليهود والنصارى في امر الاسلام، ونبوة محمد عليه الصلاة والسلام، الا بعد ان عرفوا بالحجج النيرة، والايات الباهرة حقيقة الامر، فلم يكن كفرهم عن شبهة وخفاء، وانما كان عن استكبار وعناد، فكانوا ممن ضل عن علم
[ بغيا بينهم ] أى حسدا كائنا بينهم، حملهم عليه حب الرئاسة
[ ومن يكفر بايات الله فان الله سريع الحساب ] وهو وعيد وتهديد أى من يكفر باياته تعالى، فانه سيصير
الى الله سريعا فيجازيه على كفره
[ فان حاجوك فقل اسلمت وجهى لله ] أى ان جادلوك يا محمد في شأن الدين فقل لهم : انا عبد لله، قد استسلمت بكليتى لله، واخلصت عبادتي له وحده، لا شريك له ولا ند ولا صاحبة ولا ولد
[ ومن اتبعن ] أى انا واتباعي على ملة الاسلام، مستسلمون منقادون لامر الله
[ وقل للذين اوتوا الكتاب والاميين ] أى قل لليهود والنصارى والوثنيين من العرب
[ أأسلمتم ] أى هل اسلمتم ام انتم باقون على كفركم ؟ فقد اتاكم من البينات ما يوجب اسلامكم
[ فان اسلموا فقد اهتدوا ] أى فان اسلموا كما اسلمتم، فقد نفعوا انفسهم بخروجهم من الضلال الى الهدى، ومن الظلمة الى النور
[ وأن تولوا فانما عليك البلاغ ] أى وان اعرضوا فلن يضروك يا محمد، اذ لم يكلفك الله بهدايتهم، وانما انت مكلف بالتبليغ فحسب، والغرض منها تسلية النبي (ص)