[ والله بصير بالعباد ] أى عالم بجميع احوالهم فيجازيهم عليها.. روي ان رسول الله (ص) لما قرأ هذه الاية على اهل الكتاب قالوا : اسلمنا، فقال عليه السلام لليهود : أتشهدون أن عيسى كلمة الله وعبده ورسوله ! فقالوا : معاذ الله، فقال للنصارى : أتشهدون أن عيسى عبد الله ورسوله، فقالوا : معاذ الله ان يكون عيسى عبدا ؟ انه ابن الله، وذلك قوله عز وجل (وان تولوا).
[ ان الذين يكفرون بايات الله ] أى يكذبون بما انزل الله
[ ويقتلون النبيين بغير حق ] أى يقتلون انبياء الله بغير سبب ولا جريمة، الا لكونهم دعوهم الى الله، وهم اليهود قتلوا (زكريا) وابنه (يحيى) وقتلوا انبياء الله، قال ابن كثير :" قتلت بنو اسرائيل ثلاثمائة نبي من اول النهار، واقاموا سوق يقلهم من اخره "
[ ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ] أى يقتلون الدعاة الى الله الذين يأمرون بالخير والعدل
[ فبشرهم بعذاب اليم ] أى اخبرهم بما يسرهم، وهو العذاب الموجع المهين، والاسلوب للتهكم، وقد استحقوا ذلك، لانهم جمعوا ثلاثة انواع من الجرائم : الكفر بايات الله، وقتل الانبياء، وقتل الدعاة الى الله، قال تعالى مبينا عاقبة اجرامهم :
[ اولئك الذين حبطت اعمالهم في الدنيا والاخرة ] أى بطلت اعمالهم التي عملوها من البر والحسنات، ولم يبق لها اثر في
الدارين، بل بقي لهم اللعنة والخزي في الدنيا والاخرة
[ وما لهم من ناصرين ] أى ليس لهم من ينصرهم من عذاب الله او يدفع عنهم عقابه.. ثم ذكر تعالى طرفا من لجاج وعناد اهل الكتاب فقال سبحانه :
[ الم تر الى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب ] أى لا تعجب يا محمد من امر هؤلاء الذين اوتوا نصيبا من الكتاب ! الصيغة صيغة تعجيب للرسول او لكل مخاطب، يريد احبار اليهود، الذين حصلوا نصيبا وافرا من التوراة
[ يدعون الى كتاب الله ليحكم بينهم ] أى يدعون الى التوراة كتابهم الذي بين ايديهم، والذي يعتقدون صحته، ليحكم بينهم فيما تنازعوا فيه فيأبون
[ ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ] أى ثم يعرض فريق منهم عن قبول حكم الله، وجملة [ وهم معرضون ] تاكيد للتولي أى وهم قوم طبيعتهم الاعراض عن الحق، والاصرار على الباطل، والاية تشير الى قصة تحاكم اليهود عند النبي (ص)، لما زنى منهم اثنان، فحكم عليهما بالرجم فأبوا وقالوا : لا نجد فى كتابنا الا (التحميم ) فجيء بالتوراة فوجد فيها الرجم فرجما، فغضبوا فشنع تعالى عليهم بهذه الاية
[ ذلك بانهم قالوا لن تمسنا النار الا اياما معدودات ] أى ذلك التولي والاعراض بسبب افترائهم على الله، وزعمهم انهم ابناء الانبياء، وان النار لن تصيبهم الا مدة يسيرة - اربعين يوما - مدة عبادتهم للعجل
[ وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ] أى غرهم كذبهم على الله
[ فكيف اذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ] أى كيف يكون حالهم يوم القيامة حين يجمعهم الله للحساب ! ! وهو استعظام لما يدهمهم من الشدائد والاهوال ؟
[ ووفيت كل نفس ما كسبت ] اي نالت كل نفس جزاءها العادل
[ وهم لا يظلمون ] أى لا يظلمون بزيادة العذاب او نقص الثواب.
البلاغة :
١ - [ ان الدين عند الله الاسلام ] الجملة معرفة الطرفين فتفيد الحصر أى لا دين يقبله الله الا الاسلام.
٢ - [ الذين اوتوا الكتاب ] التعبير عن اليهود والنصارى بقوله (اوتوا الكتاب ) لزيادة التشنيع والتقبيح عليهم، فان اختلافهم مع علمهم بالكتاب في غاية القبح والشناعة.
٣ - [ بايات الله فأن الله ] اظهار الاسم الجليل لتربية المهابة وادخال الروعة في النفس.
٤ - [ اسلمت وجهي ] اطلق الوجه واراد الكل فهو (مجاز مرسل ) من اطلاق الجزء لارادة الكل، اي استسلمت بنفسى وكليتي لحكم الله وقضائه.


الصفحة التالية
Icon