[ وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ] اي تخرج الزرع من الحب، والحب من الزرع، والنخلة من النواة والنواة من النخلة، والبيضة من الدجاجة، والدجاجة من البيضة، والمؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، هكذا قال ابن كثير، وقال الطبري :(يخرج الانسان الحى والانعام والبهائم، من النطف الميتة، ويخرج النطفة الميتة، من الانسان الحي والبهائم الاحياء)
((وللشهيد سيد قطب قول رائع في معنى الاية الكريمة ننقله بايجاز من الظلال يقول قدس الله روحه " وسواء كان معنى ايلاج الليل في النهار وايلاج النهار في الليل : هو اخذ هذا من ذاك، واخذ ذاك من هذا عند دورة الفصول.. سواء كان هذا او ذاك فان القلب يكاد يبصر يد الله وهي تحرك الافلاك، وتلف هذه الكرة المعتمة امام تلك الكرة المضيئة - يعني الشمس - وتقلب مواضع الظلمة ومواضع الضياء، شيئا فشيئا يتسرب غبش الليل الى وضاءة النهار، وشيئا فشيئا يتنفس الصبح في غيابة الظلام، شيئا فشيئا يطول الليل وهو يأكل من النهار في الشتاء، ويطول النهار وهو يسحب من الليل في الصيف.. كذلك الحياة والموت يدب أحدهما في الاخر في بطء وتدرج، كل لحظة تمر على الحي يدب فيه الموت الى جانب الحياة، ويأكل منه الموت وتبني فيه الحياة، خلايا حية منه تموت وتذهب، وخلايا جديدة فيه تنشأ وتعمل، هكذا دورة دائبة في كل لحظة من لحظات الليل والنهار، تبرزها هذه الاشارة القرانية القصيرة للعقل البشري، ولا يستطيع انسان ان يدعي أنه هو الذي يصنع من هذا كله شينا، ولا يزعم عاقل كذلك انها تتم هكذا مصادفة بلا تدبير، وانما هي حركة خفية هائلة تديرها يد القادر المبدع اللطيف المدبر " )).
[ وترزق من تشاء بغير حساب ] أى تعطي من تشاء عطاء واسعا بلا عد ولا تضييق.. ثم نهى تعالى عن اتخاذ الكافرين انصارا واحبابا فقال
[ لا يتخد المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين ] أى لا توالوا اعداء الله وتتركوا اولياءه، فمن غير المعقول أن يجمع الانسان بين محبة الله وبين محبة اعدائه، قال الزمخشري : نهوا ان يوالوا الكافرين لقرابة بينهم او صداقة، او غير ذلك من الاسباب التي يتصادق بها ويتعاشر
[ ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء ] أى من يوال الكفرة فليس من دين الله في شيء
[ الا ان تتقوا منهم تقاة ] أى الا ان تخافوا منهم محذورا او تخافوا أذاهم وشرهم، فاظهروا موالاتهم باللسان دون القلب، لانه من نوع مداراة السفهاء كما في الحديث الشريف " انا لنبش في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم "
[ ويحذركم الله نفسه ] أى يخوفكم الله عقابه الصادر منه تعالى
[ والى الله المصير ] أى المنقلب والمرجع فيجازي كل عامل بعمله
[ قل ان تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ] أى ان اخفيتم ما في قلوبكم من موالاة الكفار او اظهرتموه، فان الله مطلع عليه لا تخفى عليه خافية
[ ويعلم ما في السموات وما في الارض ] أى عالم بجميع الامور، يعلم كل ما هو حادث فى، السموات والارض،
[ والله على كل شئ قدير ] اى وهو سبحانه قادر على، الانتقام ممن، خالف حكمه وعصى أمره، وهو تهديد عظيم
[ يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ] أى يوم القيامة يجد كل انسان جزاء عمله حاضرا لا يغيب عنه، ان خيرا فخير وان شرا فشر، فان كان عمله حسنا سره ذلك وأفرحه
[ وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه امدا بعيدا ] أى وان كان عمله سيئا تمنى ان لا يرى عمله، واحب ان يكون بينه وبين عمله القبيح غاية في نهاية البعد، أى مكانا بعيدا كما بين المشرق والمغرب
[ ويحذركم الله نفسه ] أى يخوفكم عقابه
[ والله رءوف بالعباد ] أى رحيم بخلقه يحب لهم ان يستقيموا على صراطه المستقيم


الصفحة التالية
Icon