الثانية : قال ابن كثير عند قوله تعالى [ كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا ] قال : والاية فيها دلالة على كرامات الاولياء، وفي السنة لهذا نظائر كثيرة، وساق بسنده عن جابر قصة الجفنة، وخلاصتها ان النبي (ص) جاع اياما فدخل على ابنته فاطمة الزهراء يسالها عن الطعام فلم يكن عندها شيء، وارسلت اليها جارتها برغيفين وقطعة لحم، فوضعتهما في جفنة ثم رأت الجفنة وقد امتلأت لحما وخبزا.
قال الله تعالى :[ واذ قالت الملائكة يا مريم ان الله اصطفاك.. الى.. هذا صراط مستقيم ] من اية (٤٢) الف نهاية اية (٥١).
المناسبة :
لم ذكر تعالى قصة ولادة " يحيى بن زكريا " من عجوز عاقر وشيخ قد بلغ من الكبر عتيا، وذلك بمقتضى السنن الكونية شيء خارق للعادة، اعقبها بما هو ابلغ واروع في خرق العادات، فذكر قصة ولادة السيد المسيح عيسى من غير اب، وهي شيء اعجب من الاول، والغرض من ذكر هذه القصة الرد على النصارى الذين ادعوا ألوهية عيسى، فذكر ولادته من مريم البتول ليدل على بشريته، واعقبه بذكر ما ايده الله به من المعجزات، ليشير الى رسالته، وليس له من أوصاف الربوبية شىء، كما يزعم النصارى.
اللغة :
[ انباء ] جمع نبأ وهو الخبر الهام
[ نوحيه ] الوحي : القاء المعنى في النفس في خفاء
[ اقلامهم ] القلم معروف وهو الذي يكتب به وقد يطلق على السهم الذي يقترع به وهو المراد هنا
[ المسيح ] لقب من الالقاب المشرفة كالصديق والفاروق، وأصله مشيحا بالعبرانية ومعناه : المبارك
[ وجيها ] شريفا ذا جاه وقدر، والوجاهة الشرف والقدر
[ المهد ] فراش الطفل
[ كهلا ] الكهل : ما بين الشاب والشيخ والمراة كهلة، قال في الوسيط : الكهل ما بين الثلاثين الى الخمسين
[ الأكمه ] الذي يولد اعمى
[ الابرص ] المصاب بالبرص، وهو بياض يعتري الجلد، وداء عضال يصعب شفاؤه.
التفسير :
[ واذ قالت الملائكة يا مريم ان الله اصطفاك ] أى اذكر وقت قول الملائكة أى جبريل : يا مريم إن الله اختارك من بين سائر النساء فخصك بالكرامات
[ وطهرك ] من الأدناس والأقذار، ومما اتهمك به اليهود الفجار من الفاحشة
[ واصطفاك على نساء العالمين ] أى اختارك على سائر نساء العالمين لتكونى مظهر قدرة الله، فى إنجاب ولد بدون أب
[ يامريم اقنتى لربك ] أى إلزمى عبادته وطاعته شكرا على إصطفائه
[ وإسجدى وإركعى مع الراكعين ] أى صلى لله مع المصلين
[ ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ] أى هذا الذى قصصناه عليك يأيها الرسول، من قصة [ إمراة عمران ]، وإبنتها [ مريم البتول ] ومن قصة [ زكريا ويحيى ] إنما هى من الأنباء المغيبة، والأخبار الهامة التى أوحينا بها إليك، ما كنت تعلمها من قبل
[ وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ] أى ما كنت عندهم إذ يختصمون ويتنافسون على كفالة مريم حين ألقوا سهامهم للقرعة، كل يريدها فى كنفه ورعايته
[ وما كنت لديهم إذ يختصمون ] أى يتنازعون فيمن يكفلها منهم.. والغرض أن هذه الأخبار كانت من عند الله العليم الخبير.. روى أن (حنة) حين ولدتها لفتها فى خرقة وحملتها إلى المسجد، ووضعتها عند الأحبار – وهم فى بيت المقدس كالحجبة فى الكعبة – فقالت لهم : دونكم هذه النذيرة !! فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت إمامهم، ثم اقترعوا فخرجت فى كفالة زكريا فكفلها قال إبن كثير : وإنما قدر الله كون زكريا كافلا لها لسعادتها، لتقتبس منه علما جما وعملا صالحا
[ إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه ] أى بمولود يحصل بكلمة من الله بلا واسطة أب
[ إسمه المسيح عيسى إبن مريم ] أى اسمه [ عيسى ] ولقبه المسيح، ونسبه إلى أمه تنبيها على أنها تلده بلا أب
[ وجيها فى الدنيا والآخرة ] أى سيدا ومعظما فيهما


الصفحة التالية
Icon