جاء التعبير هنا بقوله [ كذلك الله يخلق مايشاء ] بوصف الخلق، وفى قصة يحيى [ كذلك الله يفعل ما يشاء ] والسر فى ذلك هو أن خلق عيسى من غير أب إيجاد وإختراع من غير سبب عادى، فناسبه ذكر الخلق، وهناك الزوجة والزوج موجودان ولكن وجود الشيخوخة والعقم مانع فى العادة من وجود الولد، فناسبه ذكر الفعل والله أعلم.
تنبيه :
قال بعض العلماء : الحكمة فى أن الله لم يذكر فى القرآن امرأة بإسمها إلا [ مريم ] هى الإشارة من طرف خفى، إلى رد ما زعمه النصارى من أنها زوجته، فإن العظيم يأنف من ذكر اسم زوجته بين الناس، ولينسب إليها عيسى بإعتبار عدم وجود أب له، ولهذا قال فى الآية [ اسمه المسيح عيسى إبن مريم ].
قال الله تعالى :[ فلما أحس عيسى منهم الكفر.. إلى.. فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين ] من أية [ ٥٢ ] إلى الآية [ ٦٣ ].
المناسبة :
لا تزال الآيات تتحدث عن قصة المسيح عيسى إبن مريم عليه السلام، وقد ذكر تعالى فى الآيات السابقة بشارة مريم بالسيد المسيح، ثم أعقبها بذكر معجزاته، وكلها براهين ساطعة تدل على نبوته عليه السلام، ومع كل البراهين والمعجزات التى أيده الله بها فإن الكثيرين من بنى إسرائيل لم يؤمنوا به، وقد عزم أعداء [ اليهود ] على قتله فنجاه الله من شرهم ورفعه إلى السماء، وألقى شبهه على بعض الناس، وهذه أيضا من معجزاته الساطعة.
اللغة :
[ أحس ] عرف وتحقق وأصله من الإحساس وهو الإدراك ببعض الحواس الخمس
[ الحواريون ] جمع حوارى وهو صفوة الرجل وخاصته، ومنه قيل للحضريات [ حواريات ] لخلوص ألوانهن وبياضهن، قال الشاعر :
فقل للحواريات يبكين غيرنا ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح
والحواريون أتباع عيسى كالصحابة لرسول الله ﷺ سموا [ حواريين ] لصفاء قلوبهم ونقاء سرائرهم
[ مكروا ] المكر : الخداع وأصله السعى بالفساد فى خفية، قال الزجاج : يقال مكر الليل وأمكر إذا أظلم، ومكر الله استدراجه لعباده من حيث لا يعلمون حكى عن الفراء وغيره
[ نبتهل ] نتضرع فى الدعاء، وأصل الإبتهال : الاجتهاد فى الدعاء باللعن، والبهلة اللعنة.
سبب النزول :
لما قدم وفد نصارى نجران : وجادلوا رسول الله (ص) فى أمر عيسى،
قالوا للرسول (ص) ما لك تشتم صاحبنا ؟
قال : وما أقول ؟
قالوا : تقول إنه عبد،
قال : أجل انه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول،
فغضبوا وقالوا : هل رأيت إنسانا قط من غير أب ؟ فإن كنت صادقا فأرنا مثله فأنزل الله [ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ] الآية،
وروى أنه عليه السلام لما دعاهم إلى الإسلام،
قالوا : قد كنا مسلمين قبلك،
فقال : كذبتم يمنعكم من الإسلام ثلاث : قولكم اتخذ الله ولدا، وأكلكم الخنزير، وسجودكم للصليب، فقالوا : فمن أبوه إذا، فأنزل الله [ إنه مثل عيسى.. إلى قوله.. ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ] فدعاهم النبى (ص) إلى المباهلة،
فقال بعضهم لبعض : إن فعلتم اضطرم الوادى عليكم نارا !!
فقالوا : أما تعرض علينا سوى هذا ؟ فقال : الإسلام أو الجزية أو الحرب، فأقروا بالجزية.
التفسير :
[ فلما أحس عيسى منهم الكفر ] أى إستشعر من اليهود التصميم على الكفر، والاستمرار على الضلال وإرادتهم قتله
[ قال من أنصارى إلى الله ] أى من أنصارى فى الدعوة إلى الله، قال مجاهد : أى من يتبعنى إلى الله
[ قال الحواريون نحن أنصار الله ] أى قال المؤمنون الأصفياء من أتباعه نحن أنصار دين الله
[ آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون ] أى صدقنا بالله وبما جئتنا به، وأشهد بأننا منقادون لرسالتك مخلصون فى نصرتك