يروى ان " شاس بن قيس " اليهودي مر على نفر من الانصار من الأوس والخزرج في مجلس لهم يتحدثون، فغاظه ما رأى من ألفتهم وصلاح ذات بينهم، بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة فقال : ما لنا معهم اذا اجتمعوا من قرار، ثم امر شابا من اليهود أن يجلس اليهم ويذكرهم يوم " بعاث " وينشدهم بعض ما قيل فيه من الأشعار- وكان يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس - ففعل فتنازع القوم عند ذلك وتفاخروا وتغاضبوا، وقالوا : السلاح السلاح، فبلغ النبى (ص) فخرج اليهم فيمن معه من المهاجرين والأنصار فقال :" أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالاسلام، وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بينكم " ؟ فعرف القوم أنها كانت نزعة من الشيطان، وكيدا من عدوهم، فألقوا السلاح وبكوا وعانق بعضهم بعضا، ثم أنصرفوا مع رسول الله (ص) سامعين مطيعين، فأنزل الله عز وجل [ يا أيها الذين أمنوا أن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا ا لكتاب ] ألاية.
التفسير :
[ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ] أى لن تكونوا من ألابرار، ولن تدركوا الجنة حتى تنفقوا من أفضل أموالكم
[ وما تنفقوا من شيء فأن الله به عليم ] أى وما تبذلوا من شيء في سبيل الله فهو محفوظ لكم تجزون عنه خير الجزاء
[ كل الطعام كان حلا لبني أسرائيل ] أى كل الأطعمة كانت حلالا لبني اسرائيل
[ الا ما حرم اسرائيل على نفسه ] أى الا ما حرمه يعقوب على نفسه، وهو لحم الابل ولبنها، ثم حرمت عليهم أنواع من الأطعمة كالشحوم وغيرها عقوبة لهم على معاصيهم
[ من قبل أن تنزل التوراة ] أى كانت حلالا لهم قبل نزول التوراة
[ قل فأتوا بالتوراة فاتلوها ان كنتم صادقين ] أي قل لهم يا محمد أئتوني بالتوراة واقرءوها على، ان كنتم صادقين في دعواكم أنها لم تحرم عليكم بسبب بغيكم وظلمكم، قال الزمخشري : وغرضهم تكذيب شهادة الله عليهم بالبغي والظلم والصد عن سبيل الله، فلما حاجهم بكتابهم وبكتهم، بهتوا وانقلبوا صاغرين، ولم يجسر أحد منهم على اخراج التوراة، وفي ذلك الحجة البينة على صدق النبي (ص)
[ فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك ] أي اختلق الكذب من بعد قيام الحجة وظهور البينة
[ فأولئك هم الظالمون ] أى المعتدون المكابرون بالباطل
[ قل صدق الله ] أى صدق الله في كل ما أوحى الى محمد وفي كل ما أخبر عنه
[ فاتبعوا ملة ابراهيم ] اي اتركوا اليهودية واتبعوا ملة الاسلام التي هي ملة ابراهيم
[ حنيفا ] أى مائلا عن الاديان الزائفة كلها
[ وما كان من المشركين ] برأه الله مما نسبه اليهود والنصارى اليه من اليهودية والنصرانية، وفيه تعريض بإشراكهم
[ إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة ] أى أول مسجد بني في الأرض لعبادة الله المسجد الحرام الذي هو بمكة
[ مباركا وهدى للعالمين ] أى وضع مباركا كثير الخير والنفع لمن حجه واعتمره، ومصدر الهداية والنور لاهل الأرض لأنه قبلتهم، ثم عدد تعالى من مزاياه ما يستحق تفضيله على جميع المساجد فقال
[ فيه آيات بينات مقام أبراهيم ] أى فيه علامات واضحات كثيرة، تدل على شرفه وفضله على سائر المساجد منها [ مقام إيراهيم ] وهو الذي قام عليه حين رفع القواعد من البيت، وفيه زمزم والحطيم، وفيه الصفا والمروة والحجر الأسود، أفلا يكفى برهانا على شرف هذا البيت وأحقيته، أن يكون قبلة للمسلمين ؟
[ ومن دخله كان آمنا ] وهذه آية أخرى، وهي الأمن والأمان لمن دخل الحرم بدعوة الخليل إبراهيم [ رب اجعل هذا البلد آمنا ]
[ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ] اي فرض لازم على المستطيع حج بيت الله العتيق