٣ - [ ومن كفر ] وضع هذا اللفظ موضع " ومن لم يحج، تأكيدا لوجوبه وتشديدا على تاركه، قال أبو السعود :" ولقد حازت الأية الكريمة من فنون الاعتبارات ما لا مزيد عليه وهي قوله [ ولله على الناس حج البيت ] حيث أوثرت صيغة الخبر الدالة على التحقيق، وأبرزت في صورة الجملة الاسمية الدالة على الثبات والاستمرار، على وجه يفيد أنه حق واجب لله سبحانه في ذمم الناس، وسلك بهم مسلك التعميم ثم التخصيص، والإبهام ثم التبيين، والإجمال ثم التفصيل ".
٤ - [ واعتصموا بحبل الله ] شبه القرآن بالحبل واستعير اسم المشبه به وهو الحبل للمشبه وهو (القرآن ) على سبيل الاستعارة التصريحية، والجامع بينهما النجاة في كل
٥ - [ شفا حفرة ] شبه حالهم الذي كانوا عليه بالجاهلية بحال من كان مشرفا على حفرة عميقة وهوة سحيقة، ففيه (استعارة تمثيلية) والله أعلم.
تنبيه :
وردت الأيات الكريمة لدفع شبهتين من شبه أهل الكتاب : الشبهة الأولى : أنهم قالوا للنبى (ص) أنك تدعي أنك على دين أبراهيم وقد خالفت شريعته، فانت تبيح لحوم الأبل مع أن ذلك كان حراما في دين إبراهيم ؟ فرد الله عليهم ذلك بقوله [ كل الطعام كان حلا لبني أسرائيل ] الأية. الشبهة الثانية : قالوا أن " بيت المقدس " قبلة جميع الأنبياء وهو أول المساجد، واحق بالأستقبال، فكيف تترك يا محمد التوجه إليه، ثم تزعم أنك مصدق لما جاء به الأنبياء ؟ فرد الله تعالى بقوله [ ان أول بيت وضع للناس للذي ببكة ] الأية.
قال تعالى :[ ولتكن منكم أمة يدعون ألى الخير.. الى قوله.. بما عصوا وكانوا يعتدون ] من أية (١٠٤) إلى نهاية أية (١١٢)
المناسبة :
لما حذر تعالى من مكايد أهل الكتاب، وأمر بالأعتصام بحبل الله والتمسك بشرعه القويم، دعا المؤمنين إلى القيام بواجب الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وامر بالائتلاف وعدم الاختلاف، ثم ذكر ما حل باليهود من الذل والصغار بسبب البغي والعدوان.
اللغة :
[ أمة ] طائفة وجماعة
[ البينات ] الأيات الواضحات
[ المعروف ] ما أمر به الشرع واستحسنه العقل السليم
[ المنكر ] ما نهى عنه الشرع واستقبحه العقل السليم
[ الأدبار ] جمع دبر وهو مؤخر كل شيء، يقال : ولاه دبره أى هرب من وجهه
[ ثقفوا ] وجدوا وصودفوا
[ حبل من الله ] الحبل معروف والمراد به هنا : العهد، وسمي حبلا لأنه سبب يحصل به الأمن وزوال الخوف
[ باءوا ] رجعوا
[ المسكنة ] الفقر.
التفسير :
[ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ] أى ولتقم منكم طائفة للدعوة إلى الله
[ ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ] أى للامر بكل معروف والنهي عن كل منكر
[ واولئك هم المفلحون ] أي هم الفائزون
[ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ] أى لا تكونوا كاليهود والنصارى الذين تفرقوا في الدين، واختلفوا فيه بسبب أتباع الهوى، من بعد ما جاءتهم الأيات الواضحات
[ واولئك لهم عذاب عظيم ] أى لهم بسبب الأختلاف عذابب شديد يوم ألقيامة
[ يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ] أى يوم القيامة تبيض وجوه المؤمنين بالأيمان والطاعة، وتسود وجوه الكافرين بالكفر والمعاصي
[ فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم ] هذا تفصيل لأحوال الفريقين بعد الإجمال، والمعنى : أما أهل النار الذين أسودت وجوههم فيقال لهم على سبيل التوبيخ : أكفرتم بعد إيمانكم أى بعد ما وضحت لكم الأيات والدلائل
[ فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ] أى ذوقوا العذاب الشديد بسبب كفركم
[ واما الذين أبيضت وجوههم ] أى وأما السعداء الأبرار الذين أبيضت وجوههم باعمالهم الصالحات
[ ففي رحمة الله هم فيها خالدون ] اى فهم في الجنة مخلدون، لا يخرجون منها ابدا


الصفحة التالية
Icon