الاختلاف الذي اشارت إليه الآية [ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا ] انما يراد به الاختلاف في (العقيدة) وفي (أصول الدين )، واما الاختلاف في (الفروع ) كما اختلف الأئمة المجتهدون، فذلك من اليسر في الشريعة، كما نبه على ذلك العلماء، ولابن تيمية رحمه الله رسالة قيمة اسماها " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " فارجع اليها فإنها رائعة ومفيدة.
قال الله تعالى :[ ليسوا سواء من اهل الكتاب امة.. الى.. إن الله بما يعملون محيط ] من اية (١١٣) الى نهاية آية ( ١٢٠)
المناسبة :
لما وصف تعالى اهل الكتاب بالصفات الذميمة، ذكر هنا انهم ليسوا بدرجة واحدة، ففيهم المؤمن والكافر، والبر والفاجر، ثم ذكر تعالى عقاب الكافرين وأن أموالهم وأولادهم لن تنفعهم يوم القيامة شيئا، واعقب ذلك بالنهي عن اتخاذ أعداء الدين أولياء، ونبه إلى ما في ذلك من الضرر الجسيم في الدنيا والدين.
اللغة :
[ آناء ] اوقات وساعات مفردها " إنى " على وزن " معى "
[ يكفروه ] يجحدوه من الكفر بمعنى الجحود، سمي منع الجزاء كفرا لأنه بمنزلة الجحد والستر
[ صر ] الصر : البرد الشديد، قاله ابن عباس، وأصله من الصرير الذي هو الصوت، ويراد به الريح الشديدة الباردة
[ حرث ] زرع وأصله من حرث الأرض اذا شقها للزرع والبذر
[ بطانة ] بطانة الرجل : خاصته الذين يفضي إليهم باسراره، شبه ببطانة الثوب لأنه يلي البدن
[ لا يألونكم ] اى لا يقصرون، قال الزمخشري : يقال : الأ في الأمر يألو اذا قصر فيه
[ خبالا ] الخبال : الفساد والنقصان، ومنه رجل مخبول اذا كان ناقص العقل
[ عنتم ] العنت : شدة الضرر والمشقة
[ الأنامل ] اطراف الأصابع.
سبب النزول :
لما اسلم (عبد الله بن سلام ) وأصحابه، قال أحبار اليهود : ما آمن بمحمد إلا شرارنا، ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم ! ! وقالوا لهم : لقد كفرتم وخسرتم فأنزل الله [ ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة ] الأية.
التفسير :
[ ليسوا سواء ] أى ليس أهل الكتاب مستوين فى المساوىء، وهنا تم الكلام، ثم ابتدأ تعالى بقوله
[ من أهل الكتاب أمة قائمه ] أى منهم طائفة مستقيمة على دين الله
[ يتلون آيات الله اناء الليل وهم يسجدون ] أى يتهجدون في الليل بتلاوة آيات الله حال الصلاة
[ يؤمنون بالله واليوم الأخر ] أي يؤمنون بالله وبلقائه على الوجه الصحيح
[ ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ] اى يدعون الى الخير وينهون عن الشر ولا يداهنون
[ ويسارعون في الخيرات ] اى يعملونها مبادرين غير متثاقلين
[ واولئك من الصالحين ] اى وهم في زمرة عباد الله الصالحين
[ وما يفعلوا من خير فلن يكفروه ] اى ما عملوا من عمل صالح فلن يضيع عند الله
[ والله عليم بالمتقين ] اى لا يخفى عليه عمل عامل، ولا يضيع لديه اجر المتقين.. ثم اخبر تعالى عن مآل الكافرين فقال
[ ان الذين كفروا لن تغني عنهم اموالهم ولا أولادهم من الله شيئا ] أى لن تدفع عنهم أموالهم التي تهالكوا على اقتنائها، ولا اولادهم الذين تفانوا في حبهم من عذاب الله شيئا
[ واولئك اصحاب النار هم فيها خالدون ] اى هم مخلدون في عذاب جهنم
[ مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر ] أى مثل ما ينفقونه في الدنيا بقصد الثناء وحسن الذكر، كمثل ريح عاصفة فيها برد شديد
[ أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته ] أى أصابت تلك الريح المدمرة زرع قوم، ظلموا أنفسهم بالمعاصى فأفسدته وأهلكته فلم ينتفعوا به ؟ فكذلك الكفار يمحق الله أعمالهم الصالحة، كما يتلف الزرع بذنوب أصحابه
[ وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون ] أي وما ظلمهم الله بإهلاك حرثهم، ولكنهم ظلموا أنفسهم بإرتكاب ما يستوجب العقاب، ثم حذر تعالى من اتخاذ المنافقين بطانة يطلعونهم على أسرارهم فقال