[ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم ] أى لا تتخذوا المنافقين أصدقاء تودونهم وتطلعونهم على أسراركم، وتجعلونهم أولياء من غير المؤمنين
[ لا يألونكم خبالا ] أى لا يقصرون لكم فى الفساد
[ ودوا ما عنتم ] أى تمنوا مشقتكم، وما يوقعكم في الضرر الشديد
[ قد بدت البغضاء من أفواههم ] أى ظهرت أمارات العداوة لكم على ألسنتهم، فهم لا يكتفون ببغضكم بقلوبهم، حتى يصرحوا بذلك بأفواههم
[ وما تخفي صدرهم أكبر ] أى وما يبطنونه لكم من البغضاء أكثر مما يظهرونه
[ قد بينا لكم الآيات ] أى وضحنا لكم الآيات الدالة على وجوب الإخلاص في الدين، وموالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين
[ إن كنتم تعقلون ] أى إن كنتم عقلاء، وهذا على سبيل الهز والتحريك للنفوس، كقولك : إن كنت مؤمنا فلا تؤذ الناس، وقال ابن جرير : المعنى إن كنتم تعقلون عن الله أمره ونهيه.. ثم بين سبحانه ما هم عليه من كراهية المؤمنين فقال
[ ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم ] أى ها أنتم يا معشر المؤمنين خاطئون في موالاتكم وصداقتكم لهم، إذ تحبونهم ولا يحبونكم، تريدون لهم النفع وتبذلون لهم المحبة، وهم يريدون لكم الضر ويضمرون لكم العداوة
[ وتؤمنون بالكتاب كله ] أى وأنتم تؤمنون بالكتب المنزلة كلها، وهم مع ذلك يبغضونكم، فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بشيء من كتابكم ؟ وفيه توبيخ شديد، بأنهم فى باطلهم أصلب منكم قي حقكم
[ وإذا لقوكم قالوا آمنا ] أى وهذا من خبئهم إذ يظهرون أمامكم الإيمان نفاقا
[ وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ] أى وإذا خلت مجالسهم منكم، عضوا أطراف الأصابع من شدة الحنق والغضب لما يرون من ائتلافكم، وهو كناية عن شدة الغيظ، والتأسف لما يفوتهم من إذاية المؤمنين
[ قل موتوا بغيظكم ] هو دعاء عليهم أى قل يا محمد : أدام الله غيظكم إلى أن تموتوا
[ إن الله عليم بذات الصدور ] أى إن الله عالم بما تكنه سرائركم، من البغضاء والحسد للمؤمنين.. ثم أخبر تعالى بما يترقبون نزوله من البلاء والمحنة بالمؤمنين فقال
[ إن تمسسكم حسنة تسؤهم ] أى إن أصابكم ما يسركم من رخاء وخصب، ونصير وغنيمة، ساءهم ذلك
[ وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها ] أى وإن أصابكم ما يضركم من شدة وجدب وهزيمة، سرهم ذلك، فبين تعالى فرط عدأوتهم، حيث يسوءهم ما نال المؤمنين من الخير، ويفرحون بما يصيبهم من الشدة
[ وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا ] أي إن صبرتم على أذاهم واتقيتم الله في أقوالكم وأعمالكم، لا يضركم مكرهم وكيدهم، فشرط تعالى نفى ضررهم بالصبر والتقوى
[ إن الله بما يعملون محيط ] أى هو سبحانه عالم بما يدبرونه لكم من مكائد، فيصرف عنكم شرهم، ويعاقبهم على نواياهم الخبيثة.
البلاغة :
١ - [ من أهل الكتاب أمة ] جيء بالجملة أسمية للدلالة على الإستمرار كما جيء بعدها بصيغة المضارع [ يتلون آيات الله ] للدلالة على التجدد ومثله في [ يسجدون ].
٢ - [ وأولئك من الصالحين ] الإشارة بالبعيد عن القريب، لبيان علو درجتهم وسمو منزلتهم في الفضل
٣ - [ كمثل ريح فيها صر ] فيه (التشبيه التمثيلى) شبه ما كانوا ينفقونه من أجل المفاخر وكسب الثناء، بالزرع الذي أصابته الريح العاصفه الباردة، فدمرته وجعلته حطاما.
٤ - [ لا تتخذوا بطانة ] شبه دخلاء الرجل وخواصه بالبطانة، ففيه استعارة بديعة لطيفة، تشبيها لهم ببطانة الثوب، التي تكون من الداخل، فكأنهم ملاصقون لأجسامهم.