٥ - [ عضوا عليكم الأنامل ] قال أبو حيان : يوصف المغتاظ والنادم بعض الأنامل فيكون حقيقة، ويحتمل أنه من مجاز التمثيل عبر بذلك عن شدة الغيظ والتأسف لما يفوتهم من إذاية المؤمنين أقول : عض الأنامل عادة العاجز النادم، الذي لا يستطيع أن يفعل شيئا أمام ما يعرض له من متاعب ومصاعب، فيعض على أصابعه حسرة وندما، وهذا من مجاز الإمثال.
٦ - في الآيات من المحسنات البديعية ما يسمى (بالمقابلة) وذلك في قوله [ إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها ] حيث قابل الحسنة بالسيئة والمساءة بالفرح وهي مقابلة بديعة، كما أن فيها جناس الإشتقاق في [ ظلمهم ] و[ يظلمون ] وفي [ الغيظ ] و[ غيظكم ] وفي [ تؤمنون ] و[ آمنا ].
لطيفة :
عبر بالمس في قوله [ إن تمسسكم حسنة ] وبالإصابة في قوله [ وإن تصبكم سيئة ] وذلك للإشارة إلى أن الحسنة تسوء الإعداء، وحتى ولو كانت بأيسر الأشياء، ولو مسا خفيفا، وأما السيئة فإذا تمكنت الإصابة بها إلى الحد الذى يرثي له الشامت فإنهم لا يرثون، بل يفرحون ويسرون، وهذا من أسرار بلاغة التنزيل، فلفظ الإصابة يدل على تمكن الوقوع بخلاف المس.
قال الله تعالى :[ وإذا غدوت من أهلك نبوىء المؤمنين مقاعد للقتال.. إلى.. وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون ] من آية ( ١٢١ ) إلى نهاية آية ( ١٣٢ )
المناسبة :
يبدأ الحديث عن الغزوات من هذه الآيات الكريمة، وقد انتقل السياق من معركة الجدل والمناظرة، إلى معركة الميدان والقتال، والآيات تتحدث عن (غزوة أحد) بالإسهاب، وقد جاء الحديث عن (غزوة بدر) في أثنائها اعتراضا، ليذكرهم بنعمته تعالى عليهم لما نصرهم ببدر وهم أذلة قليلون في العدد والعدد، وهذه الآية هي افتتاح القصة عن غزوة أحد، وقد أنزل فيها ستون آية، ومناسبة الآيات لما قبلها أنه تعالى لما حذر من اتخاذ بطانة السوء، ذكر هنا أن السبب في هم الطائفتين من الإنصار بالفشل إنما كان بسبب تثبيط المنافقين لهم وعلى رأسهم (أبي ابن سلول ) رأس النفاق فالمناسبة إذا واضحة. روى الشيخان عن جابر قال " فينا نزلت [ إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما ] قال نحن الطائفتان : بنو حاربة، وبنو سلمة، وما يسرنى أنها لم تنزل لقول الله تعالى [ والله وليهما ].
اللغة :
[ غدوت ] خرجت غدوة وهي الساعات الأولى من الصبح
[ تفشلا ] الفشل : الجبن والضعف
[ تبوىء ] تنزل، يقال : بوأته منزلا وبوأت له منزلا أى أنزلته فيه، وأصل التبوىء اتخاذ المنزل.
[ أذلة ] أى قلة في العدد والسلاح
[ فورهم ] الفور : السرعة، وأصله شدة الغليان من فارت القدر إذا غلت، ثم استعمل اللفظ للسرعة تقول : من فوره أى من ساعته
[ مسومين ] بفتح الواو بمعنى معلمين على القتال، وبكسرها بمعنى لهم علامة، وكانت سيماهم يوم بدر عمائم بيضاء
[ طرفا ] طائفة وقطعة
[ يكبتهم ] الكبت : الهزيمة والإهلاك وقد يأتى بمعنى الغيظ والإذلال
[ خانبين ] الخيبة : عدم الظفر بالمطلوب.
سبب النزول :
ثبت فى صحيح مسلم أن النبي (ص) كسرت رباعيته يوم أحد وشج في رأسه، فجعل يسلت الدم عنه ويقول : كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم وكسروا رباعيته، وهو يدعوهم إلى الله تعالى فأنزل الله [ ليس لك من الأمر شيء ].
التفسير :
[ وإذ غدوت من أهلك ] أى اذكر يا محمد حين خرجت إلى أحد من عند أهلك
[ تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال ] أى تنزل المؤمنين أماكنهم لقتال عدوهم
[ والله سميع عليم ] أى سميع لأقوالكم عليم بأحوالكم