[ فقد رأيتموه وأنتم تنظرون ] أى رأيتموه بأعينكم عندما قتل من اخوانكم من قتل، وشارفتم أن تقتلوا ! ؟ ونزل لما أشاع الكافرون أن محمدا قد قتل، وقال المنافقون : إن كان قد قتل فتعالوا نرجع إلى ديننا الإول
[ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ] أى ليس محمد إلا رسول مضت قبله رسل، والرسل بشر منهم من مات، ومنهم من قتل
[ أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ] أفإن أماته الله أو قتله الكفار، ارتددتم كفارا بعد إيمانكم ؟
[ ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا ] أى ومن يرتد عن دينه فلا يضر الله، وإنما يضر نفسه بتعريضها للسخط والعذاب
[ وسيجزي الله الشاكرين ] أى يثيب الله المطيعين، وهم الذين ثبتوا ولم ينقلبوا.. ثم أخبر تعالى إنه جعل لكل نفس آجلا لا يتقدم ولا يتأخر فقال
[ وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله ] أى بإرادته ومشيئته
[ كتابا مؤجلا ] أى كتب لكل نفس أجلها كتابا مؤقتا بوقت معلوم، لا يتقدم ولا يتأخر، والغرض تحريضهم على الجهاد وترغيبهم في لقاء العدو، فالجبن لا يزيد في الحياة، والشجاعة لا تنقص منها، والحذر لا يدفع القدر، والإنسان لا يموت قبل بلوغ أجله، وإن خاض المهالك واقتحم المعارك
[ ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ] أى من أراد بعمله أجر الدنيا أعطيناه منها، وليس له في الإخرة من نصيب، وهو تعريض بالذين رغبوا في الغنائم، فبين تعالى أن حصول الدنيا للإنسان ليس بموضع غبطة، لأنها مبذولة للبر والفاجر
[ ومن يرد ثواب الإخرة نؤته منها ] أي ومن أراد بعمله أجر الإخرة أعطيناه الإجر كاملا، مع ما قسمنا له من الدنيا كقوله [ من كان يريد حرث الإخرة نزد له في حرثه ]
[ وسنجزي الشاكرين ] أى سنعطيهم من فضلنا ورحمتنا بحسب شكرهم وعملهم
[ وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير ] أى كم من الأنبياء قاتل لإعلاء كلمة الله، وقاتل معه علماء ربانيون ((ذهب الطبري إلى معنى ﴿ربيون كثير﴾ أي جموع كثيرة وهذا قول قتادة، وعن الحسن أن المراد علماء كثيرون، أتقياء صالحون، وهذا أظهر والله أعلم )) وعباد صالحون قاتلوا، فقتل منهم من قتل
[ فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله ] أى ما جبنوا ولا ضعفت هممهم لما أصابهم من القتل والجراح
[ وما ضعفوا ] عن الجهاد
[ وما استكانوا ] أي ما ذلوا ولا خضعوا لعدوهم
[ والله يحب الصابرين ] أى يحب الصابرين على مقاساة الشدائد والإهوال في سبيل الله
[ وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا ] أى ما كان قولهم مع ثباتهم وقوتهم في الدين إلا طلب المغفرة من الله
[ وإسرافا في أمرنا ] أى وتفريطنا وتقصيرنا في واجب طاعتك وعبادتك
[ وثبت أقدامنا ] أى ثبتنا في مواطن الحرب
[ وانصرنا على القوم الكافرين ] أى انصرنا على الكفار
[ فأتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الإخرة ] أى جمع الله لهم بين جزاء الدنيا بالغنيمة والعز، وبين جزاء الإخرة بالجنة ونعيمها
[ والله يحب المحسنين ] أى يحب من أحسن عمله وأخلص نيته.
البلاغة :
تضمنت الآيات الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - [ عرضها السموات والأرض ] أى كعرض السموات والأرض حذقت أداة التشبيه ووجه الشبه، وسمى هذا ب " التشبيه البليغ ".
٢ - [ سارعوا إلى مغفرة ] من باب تسمية الشيء باسم سببه أى إلى موجبات المغفرة.
٣ - [ السراء والضراء ] فيه الطباق وهو من المحسنات البديعية.
٤ - [ ومن يغفر الذنوب إلا الله ] استفهام يقصد منه النفي أى لا يغفر.
٥ - [ أولئك جزأوهم مغفرة ] الإشارة بالبعيد للإشعار ببعد منزلتهم وعلو طبقتهم في الفضل، وعظم الإجر.
٦ - [ ونعم أجر العاملين ] المخصوص بالمدح محذوف أى ونعم أجر العاملين ذلك النعيم الخالد.


الصفحة التالية
Icon