٢- الإشارة بالبعيد عن القريب [ ذلك الكتاب ] ولم يقل : هذا الكتاب، للإيذان بعلو شأنه، وبعد مرتبته فى الكمال، فنزل بعد المرتبة منزلة البعد الحسى.
٣- تكرير الإشارة [ أولئك على هدى ] [ وأولئك هم المفلحون ] للعناية بشأن المتقين، وجئ بالضمير [ هم ] ليفيد الحصر كأنه قال : هم المفلحون لا غيرهم.
قال الله تعالى :
[ إن الذين كفروا سواء عليهم.. إلى.. ولهم عذاب عظيم ] من آية (٦) إلى نهاية آية (٧).
المناسبة :
لما ذكر تعالى صفات المؤمنين فى الآيات السابقة، أعقبها بذكر صفات الكافرين، ليظهر الفارق الواضح بين الصنفين، على طريقة القرآن الكريم فى المقارنة بين الأبرار والفجار، والتمييز بين أهل السعادة وأهل الشقاوة، فبالمقارنة تظهر الحقائق، كما قيل :" وبضدها تتميز الأشياء ".
التفسير :
[ إن الذين كفروا ] أي إن الذين جحدوا بآيات الله وكذبوا رسالة محمد (ص)
[ سواء عليهم ] أي يتساوى عندهم
[ أأنذرتهم أم لم تنذرهم ] أي سواء أحذرتهم يا محمد من عذاب الله وخوفتهم منه أم لم تحذرهم
[ لا يؤمنون ] أي لا يصدقون بما جئتهم به، فلا تطمع فى إيمانهم، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات، وفى هذا تسلية للنبى (ص) حول تكذيب قومه له.
ثم بين تعالى العلة فى سبب عدم الإيمان فقال
[ ختم الله على قلوبهم ] أي طبع على قلوبهم فلا يدخل فيها نور، ولا يشرق فيها إيمان. قال المفسرون : الختم : التغطية والطبع، وذلك أن القلوب إذا كثرت عليها الذنوب، طمست نور البصيرة فيها، فلا يكون للإيمان إليها مسلك، ولا للكفر عنها مخلص كما قال تعالى :(بل طبع الله عليها بكفرهم).
[ وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ] أي وعلى أسماعهم وعلى أبصارهم غطاء، فلا يبصرون هدى، ولا يسمعون، ولا يفقهون، ولا يعقلون!! لأن أسماعهم وأبصارهم كأنها مغطاة بحجب كثيفة، لذلك يرون الحق فلا يتبعونه، ويسمعونه فلا يعونه. قال أبو حيان : شبه تعالى قلوبهم لتأبيها عن الحق، وأسماعهم لإضرابها عن سماع داعي الفلاح، وأبصارهم لامتناعها عن تلمح نور الهداية، بالوعاء المختوم عليه، المسدود منافذه، المغطى بغشاء يمنع أن يصله ما يصلحه، وذلك لأنها كانت - مع صحتها وقوة إدراكها - ممنوعة عن قبول الخير وسماعه، وتلمح نوره، وهذا بطريق الاستعارة
[ ولهم عذاب عظيم ] أي ولهم فى الآخرة عذاب شديد لا ينقطع، بسبب كفرهم وإجرامهم، وتكذيبهم بآيات الله.
البلاغة :
١- التيئيس من إيمان الكفار [ سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ] فالجملة سيقت للتنبيه على غلوهم فى الكفر والطغيان، وعدم استعدادهم للإيمان، ففيها تيئيس وإقناط من إيمانهم، وفي الآية طباق السلب.
٢- الاستعارة التصريحية اللطيفة [ ختم الله على قلوبهم ] شبه تعالى قلوبهم لتأبيها عن الحق، وأسماعهم وأبصارهم لامتناعها عن تلمح نور الهداية، بالوعاء المختوم عليه، المسدود منافذه، المغشى بغشاء يمنع أن يصله ما يصلحه، واستعار لفظ (الختم والغشاوة) لذلك، بطريق الاستعارة التصريحية.
قال الله تعالى :[ ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر.. إلى.. إن الله على كل شئ قدير ] من آية (٨) إلى نهاية آية (٢٠).
المناسبة :
لما ذكر تعالى فى أول السورة صفات المؤمنين، وأعقبها بذكر صفات الكافرين، ذكر هنا " المنافقين " وهم الصنف الثالث، الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، وأطنب بذكرهم فى ثلاث عشرة آية، لينبه إلى عظيم خطرهم، وكبير ضررهم، ثم عقب ذلك بضرب مثلين، زيادة فى الكشف والبيان، وتوضيحا لما تنطوى عليه نفوسهم من ظلمة الضلال والنفاق، وما يئول إليه حالهم من الهلاك والدمار.
اللغة :