[ وهو خير الناصرين ] أي هو سبحانه خير ناصر وخير معين فلا تستنصروا بغيره.. ثم بشر تعالى المؤمنين بإلقاء الرعب في قلوب أعدائهم، فقال سبحانه :
[ سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب ] أى سنقذف في قلوبهم الخوف والفزع
[ بما اشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ] أى بسبب اشراكهم بالله وعبادتهم معه آلهة أخرى من غير حجة ولا برهان
[ ومأواهم النار ] أى مستقرهم النار
[ وبئس مثوى الظالمين ] أى بئس مقام الظالمين نار جهنم، فهم في الدنيا مرعوبون، وفي الإخرة معذبون، وفي الحديث الشريف (نصرت بالرعب مسيرة شهر)
[ ولقد صدقكم الله وعده ] أى وفى الله لكم ما وعدكم به من النصر على عدوكم
[ إذ تحسونهم بإذنه ] أى تقتلونهم قتلا ذريعا، وتحصدونهم حصدا بسيوفكم، بإرادة الله وحكمه
[ حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر ] أى حتى إذا جبنتم وضعفتهم واختلفتم في أمر المقام في الجبل
[ وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ] أى عصيتم أمر الرسول، بعد أن كان النصر حليفكم، روي أن النبي (ص) وضع خمسين من الرماة فوق الجبل، وأمرهم أن يدفعوا عن المسلمين وقال لهم : لا تبرحوا أ ماكنكم حتى ولو رايتمونا تخطفتنا الطير! ! فلما التقى الجيشان لم تقو خيل المشركين على الثبات، بسبب السهام التي أخذتهم في جوههم من الرماة، فانهزم المشركون، فلما رأى الرماة ذلك قالوا : الغنيمة الغنيمة ونزلوا لجمع الإسلاب، وثبت رئيسهم ومعه عشرة، فجاءهم المشركون من خلف الجبل فقتلوا البقية من الرماة، ونزلوا على المسلمين بسيوفهم من خلف ظهورهم، فانقلب النصر إلى هزيمة للمسلمين، فذلك قوله تعالى [ من بعد ما أراكم ما تحبون ] أى من بعد النصر
[ منكم من يريد الدنيا ] أى الغنيمة وهم الذين بركوا الجبل
[ ومنكم من يريد الآخرة ] أى ثواب الله وهم العشرة الذين ثبتوا في مركزهم مع أميرهم " عبد الله بن جبير " ثم استشهدوا
[ ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ] أى ردكم بالهزيمة عن الكفار ليمتحن إيمانكم
[ ولقد عفا عنكم ] أى صفح عنكم مع العصيان، وفيه اعلام بان الذنب كان يستحق أكثر ما نزل بهم، لولا عفو الله عنهم، ولهذا قال
[ والله ذو فضل على المؤمنين ] أى ذو من ونعمة على المؤمنين في جميع الإوقات والإحوال
[ إذ تصعدون ولا تلوون على أحد ] أى اذكروا يا معشر المؤمنين حين وليتم الأدبار وأنتم تبعدون في الفرار، ولا تلتفتون إلى ما وراءكم، ولا يقف واحد منكم لآخر
[ والرسول يدعوكم في أخراكم ] أى ومحمد (ص) يناديكم من وراءكم يقول (إلى عباد الله، إلى عباد الله، أنا رسول الله، من يكر فله الجنة) وأنتم تمعنون في الفرار
[ فأثابكم غما بغم ] أى جازاكم على صنيعكم غما بسبب غمكم للرسول (ص) ومخالفتكم أمره ((ذهب الطبري الى أن الباء بمعنى على والمعنى : فجازاكم على معصيتكم ومخالفتكم أمر الرسول غما على غم، كقوله ﴿ولأصلبنكم في جذوع النخل ﴾ أي على جذوع النخل، وقد رجح هذا القول ابن القيم واعتمده ابن كثير )).
[ لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ] أى لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من الغنيمة
[ ولا ما أصابكم ] أى من الهزيمة، والغرض بيان الحكمة من الغم، وهو أن ينسيهم الحزن على ما فاتهم وما أصابهم، وذلك من رحمته تعالى بهم
[ والله خبير بما تعملون ] أى هو سبحانه يعلم المخلص من غيره


الصفحة التالية
Icon