[ ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا ] هذا امتنان منه تعالى عليهم أى ثم أرسل عليكم بعد ذلك الغم الشديد، النعاس للسكينة والطمأنينة ولتأمنوا على أنفسكم من عدوكم، فالخائف لا ينام ! ! روى البخاري عن أنس أن أبا طلحة قال :(غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد) قال : فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه ثم ذكر سبحانه إن تلك الأمنة لم تكن عامة بل كانت لأهل الإخلاص، وبقى أهل النفاق في خوف وفزع، فقال سبحانه
[ يغشى طائفة منكم ] أي يغشى النوم فريقا منكم وهم المؤمنون المخلصون
[ وطائفة قد أهمتهم أنفسهم ] أى وجماعة أخرى حملتهم أنفسهم على الهزيمة، فلا رغبة لهم إلا نجاتها، وهم (المنافقون )، وكان السبب في ذلك توعد المشركين بالرجرع إلى القتال، فقعد المؤمنون متهيئين للحرب، فأنزل الله عليهم الإمنة فناموا، وأما المنافقون الذين أزعجهم الخوف بأن يرجع الكفار عليهم، فقد طار النوم من أعينهم من الفزع والجزع
[ يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ] أى يظنون بالله الظنون السيئة مثل ظن أهل الجاهلية. قال ابن كثير : وهكذا هؤلاء اعتقدوا أن المشركين لما ظهروا تلك الساعة أنها الفيصلة، وأن الإسلام قد باد وأهله، وهذا شأن أهل الريب والشك، إذا حصل أمر من الأمور الفظيعة، تحصل لهم هذه الظنون الشنيعة
[ يقولون هل لنا من الأمر من شيء ] أى ليس لنا من الأمر شيء، ولو كان لنا اختيار ما خرجنا لقتال
[ قل إن الأمر كله لله ] أى قل يا محمد لأولئك المنافقين : الأمر كله بيد الله يصرفه كيف شاء
[ يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك ] أى يبطنون في أنفسهم ما لا يظهرون لك
[ يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا ] أى لو كان الإختيار لنا، لم نخرج فلم نقتل، ولكن أكرهنا على الخروج، وهذا تفسير لما يبطنونه، قال الزبير : أرسل علينا النوم ذلك اليوم، وإني لأسمع قول " معتب بن قشير " والنعاس يغشانى يقول : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا
[ قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ] أى قل لهم يا محمد : لو لم تخرجوا من بيوتكم، وفيكم من قدر الله عليه القتل لخرج أولئك إلى مصارعهم، فقدر الله لا مناص منه ولا مفر
[ وليبتلي الله ما في صدوركم ] أى ليختبر ما في قلوبكم من الإخلاص والنفاق
[ وليمحص ما في قلوبكم ] أى ولينقى ما في قلوبكم ويطهره، فعل بكم ذلك
[ والله عليم بذات الصدور ] أى عالم بالسرائر مطلع على الضمائر، وما فيها من خير أو شر.. ثم ذكر سبحانه الذين انهزموا يوم أحد فقال
[ إن الذين تولوا منكم ] أى انهزموا منكم من المعركة
[ يوم التقى الجمعان ] أى جمع المسلمين وجمع المشركين
[ إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ] أى إنما أزلهم الشيطان بوسوسته وأوقعهم في الخطيئة، ببعض ما عملوا من الذنوب، وهو مخالفة أمر الرسول (ص)
[ ولقد عفا الله عنهم ] أى تجاوز عن عقوبتهم وصفح عنهم
[ إن الله غفور ] أى واسع المغفرة
[ حليم ] لا يعجل العقوبة لمن عصاه.. ثم نهى سبحانه عن الإقتداء بالمنافقين، في أقوالهم وأفعالهم فقال سبحانه
[ يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا ] أى لا تكونوا كالمنافقين
[ وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض ] أى وقالوا لإخوانهم من أهل النفاق إذا خرجوا في الإسفار والحروب
[ أو كانوا غزى ] أو خرجوا غازين في سبيل الله
[ لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ] أى لو أقاموا عندنا ولم يخرجوا لما ماتوا ولا قتلوا، قال تعالى ردا عليهم
[ ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم ] أى قالوا ذلك ليصير ذلك الإعتقاد الفاسد حسرة في نفوسهم
[ والله يحيي ويميت ] أى هو سبحانه المحيي المميت، فلا يمنع الموت قعود في البيوت


الصفحة التالية
Icon