[ والله بما تعملون بصير ] أى مطلع على أعمال العباد فيجازيهم
[ ولئن قتلتم فى سبيل الله ] أى استشهدتم في الحرب والجهاد
[ أو متم ] أى جاءكم الموت وانتم قاصدون جهاد الإعداء
[ لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ] أى ذلك خير من البقاء في الدنيا، وجمع حطامها الفاني
[ ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون ] أى وسواء متم على فراشكم، أو قتلتم في ساحة الحرب، فإن مرجعكم إلى الله فيجازيكم بأعمالكم، فآثروا ما يقربكم إلى الله ويوجب لكم رضاه، من الجهاد في سبيل الله، والعمل بطاعته، ولله در القائل حيث يقول : فان تكن الإبدان للموت انشئت فقتل أمرىء بالسيف في الله أفضل
البلاغة :
١ - [ يردوكم على أعقابكم ] أى يرجعوكم من الإيمان إلى الكفر وهو من باب (الإستعارة)، شبه ارتدادهم عن الدين، بمن رجع إلى الخلف.
٢ - بين لفظ [ آمنوا ] و[ كفروا ] في الآية طباق وكذلك بين [ يخفون ] و[ يبدون ] وبين [ فاتكم ] و[ أصابكم ] وهو من المحسنات البديعية.
٣ - [ وبئس مثوى الظالمين ] لم يقل وبئس مثواهم، بل وضع الظاهر مكان الضمير، للتغليظ وللإشعار بأنهم ظالمون أشد الظلم والمخصوص بالذم محذوف أى بئس مثوى الظالمين النار.
٤ - [ ذو فضل! على المؤمنين ] التنكير للتفخيم وقوله [ على المؤمنين ] دون عليهم، فيه الإظهار في موضع الإضمار للتشريف والإشعار بعلة الحكم.
٥ - [ يظنون بالله ظن ] بينهما جناس الإشتقاق وكذلك في [ فتوكل.. والمتوكلين ].
٦ - [ إذا ضربوا في الأرض ] فيه استعارة لطيفة، تشبيها للمسافر بالسابح الضارب في البحر، لأنه يضرب بأطرافه في غمرة الماء، شقا لها واستعانة على قطعها.
فائدة :
من الذين ثبتوا في المعركة بأحد الإسد المقدام " انس بن النضر " عم انس بن مالك، فلما هزم المسلمون، وأشاع المنافقون أن محمدا (ص) قد قتل قال : اللهم إنى أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني المسلمين – وأبرأ إليك مما فعل هؤلاء - يعني المشركين - ثم تقدم بسيفه فلقيه لاسعد بن معاذ " فقال : أين يا سعد ؟ والله إني لآجد ريح الجنة دون احد، فمضى فقتل ومثل به المشركون، فلم يعرفه أحد الإ أخته عرفته من بنانه ووجد به بضع وثمانون من طعنة وضربة ورمية بسهم.
فائدة :
روى ابن كثير عن ابن مسعود قال : أن النساء كن يوم أحد خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين، فلو حلفت يومئذ رجوت أن أبر أنه ليس أحد منا يريد الدنيا، حتى أنزل الله [ منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الإخرة ] فلما خالف أصحاب رسول الله (ص) وعصوا ما أمروا به، أفرد النبي (ص) في تسعة وهو عاشرهم، فلما أرهقوه قال : رحم الله رجلا ردهم عنا فلم يزل يقول ذلك حتى قتل سبعة منهم، فنظروا فإذا حمزة قد بقر بطنه وأخذت هند كبده فلاكتها، فلم تستطع أن تأكلها، وحزن عليه رسول الله (ص) حزنا شديدا، وصلى عليه سبعين صلاة.
قال الله تعالى :[ فبما رحمة من الله لنت لهم.. إلى.. قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ] من آية (١٥٩ ) إلى نهاية آية (١٦٨ )
المناسبة :
لا تزال الآيات تتحدث عن غزة أحد، وفي هذه الآيات الكريمة إشادة بالقيادة الحكيمة، فمع مخالفة بعض الصحابة لأو أمر الرسول (ص) فقد وسعهم عليه الصلاة والسلام بخلقه الكريم وقلبه الرحيم، ولذلك اجتمعت القلوب حول دعوته، وتوحدت تحت قيادته، والآيات تتحدث عن أخلاق النبوة، وعن المنة العظمى ببعثة الرسول الرحيم والقائد الحكيم، وعن بقية الإحداث الهامة في تلك الغزوة.
اللغة :
[ فظا ] الفظ : الغليظ الجافي، قال الواحدي هو الغليظ سمى الخلق، قال الشاعر : أخشى فظاظة عم أو جفاء أخ وكنت أخشى عليها من أذى الكلم