[ غليظ القلب ] هو الذي لا يتأثر قلبه ولا يرق، ومن ذلك قول الشاعر : لنحن أغلظ أكبادا من الإبل
[ انفضوا ] تفرقوا وأصل الفض الكسر ومنه قولهم : لا يفضض الله فاك
[ يغل ] الغلول : الخيانة وأصله أخذ الشيء في الخفية يقال : غل فلان في الغنيمة أى أخذ شيئا منها في خفية
[ باء ] رجع
[ سخط ] السخط : الغضب الشديد
[ مأواه ] منزله ومثواه
[ يزكيهم ] يطهرهم
[ من ] المنة : الإنعام والإحسا ن
[ فادرءوا ] الدرء : الدفع ومنه [ ويدرا عنها العداب ].
سبب النزول :
فقدت قطيفة حمراء يوم بدر من المغنم فقال بعض الناس لعل النبي (ص) أخذها فأنزل الله [ وما كان لنبى أن يغل.. ] الآية.
التفسير :
[ فبما رحمة من الله لنت لهم ] أى فبسبب رحمة من الله أودعها الله في قلبك يا محمد، كنت هينا لين الجانب مع أصحابك، مع أنهم خالفوا أمرك وعصوك
[ ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ] أى لو كنت جافي الطبع قاسي القلب، تعاملهم بالغلظة والجفاء، لتفرقوا عنك ونفروا منك، ولما كانت الفظاظة في الكلام، نفى الجفاء عن لسانه، كما نفى القسوة عن قلبه
[ فأعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر ] أى فتجاوز عما نالك من أذاهم يا محمد، واطلب لهم من الله المغفرة، وشاورهم في جميع أمورك ليقتدي بك الناس، قال الحسن ما شاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم وكان عليه السلام كثير المشاورة لأصحابه
[ فإذا عزمت فتوكل على الله ] أى إذا عقدت قلبك على أمر بعد الإستشارة، فاعتمد على الله وفوض أمرك إليه
[ إن الله يحب المتوكلين ] أى يحب المعتمدين عليه، المفوضين أمورهم إليه
[ أن ينصركم الله فلا غالب لكم ] أى إن أراد الله نصركم فلا يمكن لأحد أن يغلبكم
[ وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده ] أى وإن أراد خذلانكم وترك معونتكم فلا ناصر لكم، فمهما وقع لكم من النصر كيوم بدر، أو من الخذلان كيوم أحد، فإنما هو بمشيئته سبحانه، فالأمر كله لله، بيده العزة والنصرة، والإذلال والخذلان
[ وعلى الله فليتوكل المؤمنون ] أى وعلى الله وحده فليلجأ وليعتمد المؤمنون
[ وما كان لنبى أن يغل ] أى ما صح ولا استقام شرعا ولا عقلا لنبى من الأنبياء ان يخون في الغنيمة، والنفي هنا نفى للشأن، وهو أبلغ من نفي الفعل، لأن المراد أنه لا يتأتى ولا يصح أن يتصور، فضلا عن أن يحصل ويقع
[ ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ] أى ومن يخن من غنائم المسلمين شيئا يأت حاملا له على عنقه يوم القيامة، فضيحة له على رءوس الإشهاد
[ ثم توفى كل نفس ما كسبت ] أى تعطى جزاء ما عملت وافيا غير منقوص
[ وهم لا يظلمون ] أى تنال جزاءها العادل، دون زيادة أو نقص، فلا يزاد في عقاب العاصي، ولا ينقص من ثواب المطيع
[ أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ] ؟ أى لا يستوي من أطاع الله وطلب رضوانه، ومن عصى الله فاستحق سخطه وباء بالخسران
[ ومأواه جهنم وبئس المصير ] أى مصيره ومرجعه جهنم، وبئست النار مستقرا له
[ هم درجات عند الله ] أى متفاوتون في المنازل، قال الطبري : هم مختلفو المنازل عند الله، فلمن أبغ رضوان الله الكرامة والثواب الجزيل، ولمن باء بسخط من الله المهانة والعقاب الإليم
[ والله بصير بما يعملون ] أي لا يخفى عليه خافية من أعمال العباد وسيجازيهم عليها.. ثم ذكر تعالى المؤمنين بالمنة العظمى عليهم ببعثة خاتم المرسلين فقال سبحانه :
[ لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم ] أي والله لقد أنعم الله على المؤمنين، حين أرسل إليهم رسولا عربيا من جنسهم، عرقوا أمره وخبروا شأنه، وخص تعالى المؤمنين بالذكر وإن كان رحمة للعالمين، لأنهم هم المنتفعون ببعثته
[ يتلو عليهم آياته ] أى يقرأ عليهم الوحي المنزل