في هذه الآية [ فبما رحمة من الله لنت لهم ] دلالة على اختصاص نبينا بمكارم الإخلاق، ومن عجيب أمره (ص) انه كان أجمع الناس لدواعي العظمة، ثم كان أدناهم إلى التواضع، فكان أشرف الناس نسبا وأوفرهم حسبا، وأزكاهم عملا، وأسخاهم كرما، وأفصحهم بيانا، وكلها من دواعي العظمة، ثم كان من تواضعه عليه السلام أنه كان يرقع الثوب، ويخصف النعل، ويركب الحمار، ويجلس على الأرض، ويجيب دعوة العبد المملوك، فصلوات الله وسلامه على السراج المنير، بحر (المكارم والفضائل) (ص).
فائدة :
التوكل على الله من أعلى المقامات لوجهين : أحدهما محبة الله للعبد [ إن الله يحب المتوكلين ] والثانى الضمان في كنف الرحمن [ ومن يتوكل على الله فهو حسبه ].
قال الله تعالى :[ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا.. إلى.. والله بما تعملون خبير ] من آية (١٦٩ ) إلى نهاية آية ( ١٨٥ )
المناسبة :
لا تزال الآيات الكريمة تتابع أحداث أحد وتكشف عن أسرار المنافقين ومواقفهم المخزية، وتوضح الدروس والعبر من تلك الغزوة المجيدة.
اللغة :
[ يستبشرون ] يفرحون وأصله من البشرة لأن الإنسان إذا فرح ظهر أثر السرور في وجهه
[ القرح ] بالفتح الجرح وبالضم ألم الجرح وقد تقدم
[ حسبنا ] كافينا مأخوذ من الإحساب بمعنى الكفاية، قال الشاعر : فتملأ بيتنا أقطا وسمنا وحسبك من غنى شبع وريء
[ حظا ] الحظ : النصيب ويستعمل في الخير والشر، وإذا لم يقيد يكون للخير
[ نملي ] الإملاء : التأخير والإمهال بطول العمر، ورغد العيش
[ يميز ] يقال : ماز وميز أى فصل الشيء من الشيء، ومنه [ وامتازوا اليوم أيها المجرمون ]
[ يجتبي ] يختار
[ سيطوقون ] من الطوق وهو القلادة أى يلزمون به لزوم الطوق في العنق.
سبب النزول :
١ - عن ابن عباس قال : قال رسول الله (ص) : لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم فى جوف طير خضر، ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا : من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء : في الجنة نرزق، لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عند الحرب فقال الله سبحانه : أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله [ ولا تحسبن الذي قتلوا في سبيل الله أمواتا ] الآية.
٢ -عن جابر بن عبد الله قال : لقينى رسول الله (ص) فقال يا جابر : ما لي أراك منكسا مهتما ؟ قلت يا رسول الله : استشهد أبي وترك عيالإ وعليه دين فقال : إلا أبشرك بما لقي الله عز وجل به أباك ؟ قلت : بلى يا رسول الله، قال : إن الله أحيا أباك وكلمه كفاحا ((كفاحا : أي مواجهة بدون حجاب ولا رسول، وكلمه بلا واسطة )) - وما كلم أحدا قط إلا من وراء حجاب - فقال له : يا عبد الله تمن أعطك، قال يا رب : أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، فقال الرب تبارك وتعالى : إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، قال يا رب : فأبلغ من ورائي فأنزل الله [ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ].
التفسير :
[ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ] أى لا تظنن الذين استشهدوا في سبيل الله لإعلاء دينه أمواتا لا يحسون ولا يتنعمون
[ بل أحياء عند ربهم يرزقون ] أى بل هم أحياء متنعمون في جنان الخلد، يرزقون من نعيمها غدوا وعشيا، قال الواحدي : الإصح في حياة الشهداء ما روي عن النبي (ص) من أن أرواحهم في أجواف طيور خضر وأنهم يرزقون ويأكلون ويتنعمون
[ فرحين بما آتاهم الله من فضله ] أى هم منعمون في الجنة فرحون بما هم فيه من النعمة والغبطة
[ ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ] أى يستبشرون بإخوانهم المجاهدين الذين لم يموتوا في الجهاد بما سيكونون عليه بعد الموت إن استشهدوا، فهم لذلك فرحون مستبشرون