[ ولهم عذاب مهين ] أي ولهم في الإخرة عذاب يهينهم ويخزيهم
[ ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ] هذا وعد من الله لرسوله بانه سيميز له المؤمن من المنافق، والمعنى : لن يترك الله المؤمنين مختلطين بالمنافقين، حتى يبتليهم فيفصل بين هؤلاء وهؤلاء، كما فعل في غزوة أحد، حيث ظهر أهل الإيمان وأهل النفاق. قال ابن كثير :" اي لا بد أن يعقد شيئا من المحنة يظهر فيها وليه ويفضح بها عدوه، يعرف به المؤمن الصابر، من المنافق الفاجر، كما ميز بينهم يوم أحد ".
[ وما كان الله ليطلعكم على الغيب ] أى وما كان الله ليطلعكم على قلوب عباده، لتعرفوا المؤمن من الكافر، والصادق من المنافق، ولكنه يميز بينهم بالمحن والإبتلاء، كما ميز بينهم يوم أحد بالباساء وجهاد الإعداء
[ ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ] أى يختار من رسله من يشاء فيطلعهم على غيبه كما أطلع النبي (ص) على حال المنافقين
[ فآمنوا بالله ورسله ] أى آمنوا إيمانا صحيحا بأن الله وحده المطلع على الغيب، وأن ما يخبر به الرسول من أمور الغيب إنما هو بوحي من الله
[ وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجرعظيم ] أى وإن تصدقوا رسلي وتتقوا ربكم بطاعته فلكم ثواب عظيم
[ ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم ] أى لا يحسبن البخيل أن جمعه المال، وبخله بإنفاقه ينفعه، بل هو مضرة عليه في دينه ودنياه
[ بل هو شر لهم ] أى ليس الأمر كما يظنون، بل ذلك البخل شر لهم
[ سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ] أي سيجعل الله ما بخلوا به طوقا في أعناقهم، يعذبون به يوم القيامة، كما جاء في صحيح البخاري (من آتاه الله مالإ فلم يؤد زكاته، مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع - أى ثعبانا عظيما - له زبيبتان فيأخذ بلهزمتيه - يعنى شدقيه - ثم يقول : أنا مالك انا كنزك، ثم تلا (ص) [ ولا يحسبن الذي يبخلون ] الآية
[ ولله ميراث السموات والأرض ] أى جميع ما في الكون ملك له سبحانه، يعود إليه بعد فناء خلقه
[ والله بما تعملون خبير ] أى مطلع على أعمالكم، وسيجازيكم عليها.
البلاغة :
تضمنت هذه الآيات فنونا من البلاغة والبديع :
١- الإطناب في [ يستبشرون ] وفي [ لن يضروا ] وفي اسم الجلالة في مواضع.
٢- الطباق في [ أمواتا بل أحياء ] وفي [ الكفر بالإيمان ].
٣- والإستعارة في [ اشتروا الكفر ] وفي [ يسارعون في الكفر ] وفي [ الخبيث والطيب ] إذ يراد به المؤمن والمنافق والحذف في مواضع.
فائدة :
قوله تعالى [ حسبنا الله ونعم الوكيل ] هي الكلمة التي قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقى في النار، فنجاه الله منها، وجعلها بردا وسلاما عليه ! ! قال السيوطي في الإكليل : يستحب قول هذه الكلمة عند الغم والأمور العظيمة.
قال الله تعالى :[ لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير... إلى.. والله على كل شيء قدير ] من آية (١٨١ ) إلى نهاية آية (١٨٩ ).
المناسبة :
بعد ان انتهى الإستعراض القرآني لمعركة أحد، وما فيها من أحداث جسيمة، أعقبه تعالى بذكر دسائس اليهود وأساليبهم الخبيثة، في محاربة الدعوة الإسلامية عن طريق التشكيك والبلبلة، والكيد والدس، ليحذر المؤمنين من خطرهم كما حذرهم من المنافقين، والآيات الكريمة تتحدث عن اليهود وموقفهم المخزي من الذات الإلهية، وإتهامهم لله عز وجل بأشنع الإتهامات بالبخل والفقر، ثم نقضهم للعهود، وقتلهم للأنبياء، إلى آخر ما هنالك من جرائم وشنائع، اتصف بها هذا الجنس الملعون.
اللغة :
[ عهد إلينا ] أوصانا
[ بقربان ] القربان : ما يذبح من الإنعام تقربا إلى الله تعالى
[ البينات ] الآيات الواضحات، والمراد بها هنا : المعجزات