[ يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول ] أي في ذلك اليوم العصيب يتمني الفجار الذين جحدوا وحدانية الله وعصوا رسوله
[ لو تسوى بهم الأرض ] أي لو يدفنوا في الأرض ثم تسوى بهم، كما تسوى بالموتى، أو لو تنشق الأرض فتبتلعهم ويكونون ترابا كقوله [ يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ] وذلك لما يرون من أهوال يوم القيامة
[ ولا يكتمون الله حديثا ] أي لا يستطيعون أن يكتموا الله حديثا لأن جوارحهم تشهد عليهم بما فعلوه.. ثم أمر تعالى باجتناب الصلاة في حال السكر والجنابة فقال
[ يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتي تعلموا ما تقولون ] أي لا تصلوا فى حالة السكر، لأن هذه الحالة لا يتأتى معها الخشوع والخضوع بمناجاته سبحانه وتعالى، وقد كان هذا قبل تحريم الخمر، روي أن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما فدعا اليه بعض الصحابة، وسقاهم الخمر – قبل أن تحرم- وحضرت الصلاة فقدموا بعضهم فقرأ " قل يا أيها الكافرون. أعبد ما تعبدون. ونحن نعبد ما تعبدون " فخلط في القراءة، فأنزل الله [ يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ] الآية
[ ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ] أي ولا تقربوها وأنتم جنب أي غير طاهرين، إلا إذا كنتم مسافرين ولم تجدوا الماء فصلوا على تلك الحالة بالتيمم
[ وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط ] أي وإن كنتم مرضى ويضركم الماء، أو مسافرين وأنتم محدثون حدثا أصغر، ولم تجدوا الماء
[ أو لامستم النساء ] قال ابن عباس : هو الجماع
[ فلم تجدوا ماء ] أي فلم تجدوا الماء الذي تتطهرون به
[ فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ] أي اقصدوا عند عدم وجود الماء التراب الطاهر، فتطهروا به وامسحوا وجوهكم وأيديكم بذلك التراب
[ إن الله كان عفوا غفورا ] أي يرخص ويسهل على عباده لئلا يقعوا في الحرج.
البلاغة :
تضمنت هذه الآيات من الفصاحة والبيان والبديع ما يلي :
١- الإطناب في قوله [ نصيب مما اكتسبوا.. ونصيب مما اكتسبن ] وفي [ حكما من أهله وحكما من أهلها ] وفي [ والجار ذي القربى والجار الجنب ].
٢- الاستعارة في [ مما اكتسبوا ] شبه استحقاقهم للإرث وتملكهم له بالاكتساب، وأشتق من لفظ الاكتساب اكتسبوا على طريقة الاستعارة التبعية.
٣- الكناية فى فقد [ واهجروهن في المضاجع ] فقد كنى بذلك عن الجماع وكذلك في [ لامستم النساء ] قال ابن عباس معناه : جامعتم النساء كما كنى عن الحدث بالغائط في قوله [ أو جاء أحد منكم من الغائط ].
٤- صيغة المبالغة في [ الرجال قوامون ] لأن فعال من صيغ المبالغة ومجئ الجملة اسمية للإفادة الدوام والاستمرار.
٥- السؤال عن المعلوم لتوبيخ السامع في قوله [ فكيف إذا جئنا ] يراد بها التقريع والتوبيخ.
٦- جناس الاشتقاق في [ حافظات.. بما حفظ ] وفي قوله [ بشهيد.. وشهيدا ].
٧- التعريض في [ مختالا فخورا ] عرض بذلك إلى ذم الكبر المؤدي لاحتقار الناس.
٨- الحذف في عدة مواضع مثل [ وبالوالدين إحسانا ] أي أحسنوا إلى الوالدين إحسانا.
الفوائد :
الأولي : لم يذكر الله تعالى في الآية إلا " الإصلاح " في قوله [ إن يريدا إصلاحا ] ولم يذكر ما يقابله وهو التفريق، وفي ذلك إشارة لطيفة إلى أنه ينبغي على الحكمين أن يبذلا جهدهما للإصلاح، لأن في التفريق خراب البيوت وتشتيت الأولاد، وذلك مما ينبغي أن يجتنب.
الثانية : ختم تعالى الآية بهذين الاسمين العظيمين [ إن الله كان عليا كبيرا ] وذلك لتهديد الأزواج عند التعسف في استعمال الحق، فكأن الآية تقول : لا تغتروا بكونكم أقوى يدا منهن وأكبر درجة منهنن فإن الله على قاهر، ينتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن، فالله أعلى منكم وأقدر فاحذورا عقابه.