الثالثة : روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله(ص) اقرأ على القرآن فقلت يا رسول الله : أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : نعم فإني أحب أن أسمعه من غيري!! فقرأت عليه سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية [ فكيف إذا جئنا ن كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ] فقال : حسبك الآن، فنظرت فاذا عيناه تذرفان.
تنبيه :
ورد النظم الكريم [ بما فضل الله بعضهم على بعض ] ولو قال : بتفضيلهم عليهن لكان أخصر وأوجز، ولكن التعبير ورد بتلك الصيغة لحكمة جليلة، وهي إفادة أن المرأة من الرجل بمنزلة عضو من جسم الإنسان وكذلك العكس، فالرجل بمنزلة الرأس، والمرأة بمنزلة البدن، ولا ينبغي أن يتكبر عضو على عضو، فالأذن لا تغني عن العين، واليد لا تغني عن القدم، ولا عار على الشخص أن يكون قلبه أفضل من معدته، ورأسه أشرف من يده فالكل يؤدي دوره بانتظام، ولا غني لواحد عن الآخر، وهذا هو سر التعبير بقوله [ بعضهم على بعض ] فظهر أن الآية في نهاية الإيجاز والإعجاز.
" كلمة حول تأديب النساء "
لعل أخبث ما يتخذه أعداء الإسلام للطعن في الشريعة الإسلامية زعمهم أن الإسلام أهان المرأة، حين سمح للرجل أن يضربها ويقولون : كيف يسمح القرآن بضرب المرأة
[ واهجروهن في المضاجع واضربوهن ] أفليس هذا إهانة للمرأة واعتداء على كرامتها ؟!
والجواب : نعم لقد أذن الحكيم العليم بضربها، ولكن متى يكون الضرب ؟ ولمن يكون ؟ عن الضرب – ضربا غير مبرح- كما ورد به الحديث الشريف أحد الطرق في معالجة نشوز المرأة وعصيانها لأمر الزوج، فحين تسيء المرأة عشرة زوجها، وتركب رأسها وتسير بقيادة الشيطان، وتقلب الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق، فماذا يصنع الرجل في مثل هذه الحالة ؟! لقد ارشدنا القرآن الكريم إلى الدواء، فأمر بالصبر والأناة، ثم بالوعظ والإرشاد، ثم بالهجر في المضاجع، فإذا لم تنجح كل هذه الوسائل، فلابد من سلوك طريق آخر هو الضرب غير المبرح، لكسر الغطرسة والكبرياء، وهذا أقل ضررا من إيقاع الطلاق عليها، وإذا قيس الضرر الأخف بالضرر الأكبر كان حسنا وجميلا، وما أحسن ما قيل :(وعند ذكر العمى يستحسن العور) فالضرب طريق من طرق العلاج، ينفع في بعض الحالات التي يستعصي فيها الإصلاح باللطف والإحسان والجميل [ فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ] !!.
قال تعالي :[ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب.. إلى.. وندخلهم ظلا ظليلا ] من الآية (٤٤) إلى نهاية الآية (٥٧).
سبب النزول :
روي أن أبا سفيان قال لكعب بن الأشرف- أحد أحبار اليهود – إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم، ونحن أميون لا نعلم، فأينا أهدى طريقا نحن أم محمد ؟ فقال : اعرضوا علي دينكم!! فقال أبو سفيان : نحن ننحر للحجيج الكوماء، ونسقيهم الماء، ونقري الضيف، ونعمر بيت ربنا، ومحمد فارق دين آبائه، وقطع الرحم!! فقال : دينكم خير من دينه، وأنتم والله أهدى سبيلا مما هو عليه فأنزل الله [ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب.. ] الآية.
المناسبة :
لما ذكر تعالى شيئا من أحوال الكفار في الآخرة وأنهم يتمنون لو تسوي بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا.. أعقبه بذكر ما عليه اليهود من الكفر والجحود والتكذيب بآيات الله، ثم ذكر طائفة من عقائد أهل الكتاب الزائغة، وما أعد لهم من العذاب المقيم في في دار الجحيم، أعاذنا الله منها.
اللغة :
[ راعنا ] راقبنا وانظرنا، وهي كلمة سب في العبرية وكان اليهود يقولونها ويعنون بها معنى الرعونة
[ أقوم ] أعدل وأصوب
[ نطمس ] الطمس : المحو وإذهاب أثر الشيئ
[ فتيلا ] الفتيل : الخيط الذي في شق النواة
[ الجبت ] اسم الصنم ثم صار مستعملا لكل باطل