[ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ] أي لا يغفر الشرك أبدا، ويغفر ما سوى ذلك من الذنوب لمن شاء من عباده
[ ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما ] أي من أشرك بالله فقد أختلق إثما عظيما، قال الطبري : قد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة، ففي مشيئة الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه عليه، ما لم تكن كبيرته شركا بالله.. ثم ذكر تعالى تزكية اليهود أنفسهم، مع كفرهم وتحريفهم الكتاب فقال سبحانه
[ ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ] أي ألم يبلغك خبر هؤلاء الذين يمدحون أنفسهم، ويصفونها بالطاعة والتقوى ؟ والاستفهام للتعجيب من أمرهم، قال قتادة : ذلكم أعداء الله اليهود زكوا أنفسهم فقالوا [ نحن أبناء الله وأحباؤه ] وقالوا : لا ذنوب لنا
[ بل الله يزكي من يشاء ] أي ليس الأمر بتزكيتهم بل بتزكية الله، فهو أعلم بحقائق الأمور وغوامضها، يزكي المرتضين من عباده وهم الأطهار الأبرار، لا اليهود الأشرار
[ ولا يظلمون فتيلا ] أي لا ينقصون من أعمالهم بقدر الفتيل، وهو الخيط الذي في شق النواة، وهو مثل للقلة كقوله [ إن الله لا يظلم مثقال ذرة ]
[ أنظر كيف يفترون على الله الكذب ] هذا تعجيب من افترائهم وكذبهم، أي انظر يا محمد كيف اختلقوا على الله الكذب، في تزكيتهم أنفسهم، وزعمهم أنهم أبناء الله وأحباؤه ؟
[ وكفى به إثما مبينا ] أي كفى بهذا الافتراء، جرما بينا ومنكرا عظيما
[ ألم تر إلى الذين أتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ] الاستفهام للتعجيب والمراد بهم أيضا اليهود، أعطوا حظا من التوراة، وهم مع ذلك يؤمنون بالأوثان والأصنام، وكل ما عبد من دون الرحمن
[ ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ] أي يقول اليهود لكفار قريش : أنتم أهدى سبيلا من محمد وأصحابه !! قال ابن كثير : يفضلون الكفار على المسلمين، بجهلهم وقلة دينهم، وكفرهم بكتاب الله الذي بأيديهم قال تعالى إخبارا عن ضلالهم
[ أولئك الذين لعنهم الله ] أي طردهم وأبعدهم عن رحمته
[ ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ] أي من يطرده الله من رحمته، فمن ينصره من عذاب الله ؟ ومن يمنع عنه آثار اللعنة ؟ وهو العذاب العظيم
[ أم لهم نصيب من الملك ] أي أم لهم حظ من الملك ؟ ؟ وهذا على وجه الإنكار، يعني ليس لهم من الملك شيء
[ فإذا لا يؤتون الناس نقيرا ] أي لو كان لهم نصيب من الملك، فإذا لا يؤتون أحدا مقدار (نقير) لفرط بخلهم، والنقير مثل في القلة كالفتيل والقطمير، وهو النكتة في ظهر النواة.. ثم أنتقل إلى خصلة ذميمة أشد من البخل فقال سبحانه
[ أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ] قال ابن عباس : حسدوا النبي (ص) على النبوة، وحسدوا أصحابه على الإيمان والمعني : بل أيحسدون النبي (ص) والمؤمنين على النبوة، التي فضل الله بها محمدا وشرف بها العرب ؟ ويحسدون المؤمنين على ازدياد العز والتمكين ؟
[ فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ] أي فقد أعطينا أسلافكم من ذرية إبراهيم النبوة، وأنزلنا عليهم الكتب وأعطيناهم الملك العظيم مع النبوة كداود وسليمان، فلأي شيء تخصون محمدا (ص) بالحسد دون غيره ممن أنعم الله عليهم ؟ والمقصود الرد على اليهود في حسدهم للنبي (ص) وإلزام لهم بما عرفوه من فضل الله على آل إبراهيم
[ فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه ] أي من اليهود من آمن بمحمد (ص)وهم (قلة قليلة) ومنهم من أعرض فلم يؤمن وهم الكثرة الكثيرة كقوله [ فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ]
[ وكفى بجهنم سعيرا ] أي كفى بالنار المسعرة عقوبة لهم، على كفرهم وعنادهم.. ثم أخبر تعالى بما أعده للكفرة الفجرة من الوعيد والعذاب الشديد فقال سبحانه


الصفحة التالية
Icon