[ واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا ] أي أجعل لنا من هذا الضيق فرجا ومخرجا، وسخر لنا من عندك وليا وناصرا، وقد استجاب الله دعاءهم فجعل لهم خير ولي وناصر، وهو " محمد " ( ص) حين فتح مكة، ولما خرج منها ولي عليهم (عتاب بن أسيد) فأنصف مظلومهم من ظالمهم.. ثم شجع تعالي المجاهدين ورغبهم في الجهاد فقال
[ الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله ] أي المؤمنون يقاتلون لهدف سام وغاية نبيلة، وهي نصرة دين الله وإعلاء كلمته تعالى ابتغاء مرضاته، فهو تعالى وليهم وناصرهم
[ والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت ] أي وأما الكافرون فيقاتلون في سبيل الشيطان، الداعي إلى الكفر والطغيان
[ فقاتلوا أولياء الشيطان ] أي قاتلوا يا أولياء الله أنصار وأعوان الشيطان فإنكم تغلبونهم، وشتان بين من يقاتل لإعلاء كلمة الله، وبين من يقاتل في سبيل الطاغوت، ومن قاتل في سبيل الطاغوت فهو المخذول المغلوب، ولهذا قال :
[ إن كيد الشيطان كان ضعيفا ] أي سعي الشيطان ضعيف، فكيف بالقياس إلى قدرة الله ؟! قال الزمخشري : كيد الشيطان للمؤمنين إلى جنب كيد الله للكافرين، أضعف شيء وأوهنة
[ ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة ] أي ألا تعجب يا محمد من قوم طلبوا القتال وهم بمكة، فقيل لهم : أمسكوا عن قتال الكفار فلم يحن وقته، وأعدوا نفوسكم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة
[ فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية ] أى فلما فرض عليهم قتال المشركين، إذا جماعة منهم يخافون ويجبنون ويفزعون من الموت، كخشيتهم من عذاب الله أو أشد من ذلك ؟ قال ابن كثير : كان المؤمنون في ابتداء الإسلام وهم بمكة مأمورين بالصلاة والزكاة والصبر على أذى المشركين، وكانوا يتحرقون لو أمروا بالقتال ليشتفوا من أعدائهم، فلما أمروا بما كانوا يودونه، جزع بعضهم وخاف من مواجهة الناس خوفا شديدا ((وروى النسائي في سننه أن بعض الصحابة قالوا يا رسول الله : إنا كنا في عز ونحن مشركون، فلما امنا صرنا أذلة ؟! فقال :" إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا، فلما حوله الله إلى المدينة، أمر بالقتال فكفوا، فأنزل الله الاية " ))
[ وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال ] أي وقالوا جزعا من الموت : ربنا لم فرضت علينا القتال ؟
[ لولا أخرتنا إلى أجل قريب ] " لولا " للتحضيض بمعني : أي (هلا) أخرتنا إلى أجل قريب حتى نموت بآجالنا ولا نقتل فيفرح بنا الأعداء!
[ قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقي ] أي قل لهم يا محمد إن نعيم الدنيا فإن، ونعيم الآخرة باق، فهو خير من ذلك المتاع الفاني، لمن أتقي الله وامتثل أمره
[ ولا تظلمون فتيلا ] أي لا تنقصون من أجور أعمالكم أدني شيء، ولو كان فتيلا وهو الخيط الذي في شق النواة، قال في التسهيل : إن الآية في قوم من الصحابة كانوا قد أمروا بالكف عن القتال فتمنوا أن يؤمروا به، فلما أمروا به كرهوه، لا شكا فى دينهم، ولكن خوفا من الموت، وقيل : هي في المنافقين، وهو أليق في سياق الكلام ((واختار هذا القرطبي وابو حيان وهو الأرجح، قال في البحر : الظاهر أن القائلين هذا هم منافقون، لأن الله تعالى إذا أمر بشيء لا يسأل عن علته من هو خالص الإيمان، ولهذا جاء السياق بعده ﴿وان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك﴾ وهذا لا يصدر إلا من منافق
[ أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم فى بروج مشيدة ] أي في أي مكان وجدتم فلابد أن يدرككم الموت، عند انتهاء الأجل ويفاجئكم، ولو تحصنتم منه بالحصون المنيعة، فلا تخشوا القتال خوف الموت


الصفحة التالية
Icon