[ وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله ] أي إن تصب هؤلاء المنافقين حسنة، من نصر وغنيمة وشبه ذلك، يقولوا هذه من جهة الله ومن تقديره، لما علم فينا من الخير
[ وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك ] أي وإن تنلهم سيئة من هزيمة وجوع وشبه ذلك، يقولوا هذه بسبب اتباعنا لمحمد ودخولنا في دينه، يعنون بشؤم دينه، قال السدي : يقولون هذا بسبب تركنا ديننا، واتباعنا محمدا أصابنا هذا البلاء، كما قال تعالى عن قوم فرعون [ وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسي ومن معه ]
[ قل كل من عند الله ] أمر (ص) بأن يرد زعمهم الباطل ويلقمهم الحجر، ببيان أن الخير والشر بتقدير الله أي قل يا محمد لهؤلاء السفهاء : الحسنة والسيئة، والنعمة والنقمة، كل ذلك من عند الله خلقا وإيجادا، لا خالق سواه فهو وحده النافع الضار وعن إرادته تصدر جميع الأشياء
[ فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ] أي ما شأنهم لا يفقهون أن الأشياء كلها بتقدير الله ؟ وهو توبيخ لهم على قلة الفهم.. ثم قال تعالى مبينا حقيقة الإيمان
[ ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ] الخطاب لكل سامع أي ما أصابك يا إنسان من نعمة وإحسان، فمن الله تفضلا منه وإحسانا، وامتنانا وامتحانا، وما أصابك من بلية ومصيبة، فمن عندك لأنك السبب فيها بما أرتكبت يداك، كقوله تعالي :[ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ].. ثم قال تعالى مخاطبا الرسول
[ وأرسلناك للناس رسولا وكفي بالله شهيدا ] أي وأرسلناك يا محمد رسولا للناس أجمعين، تبلغهم شرائع الله وحسبك أن يكون الله شاهدا على رسالتك.. ثم رغب تعالى في طاعة الرسول فقال :
[ من يطع الرسول فقد أطاع الله ] أي من أطاع أمر الرسول فقد أطاع الله، لأنه مبلغ عن الله
[ ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا ] أي ومن أعرض عن طاعتك فما أرسلناك يا محمد حافظا لأعمالهم، ومحاسبا لهم عليها، ليس عليك إلا البلاغ
[ ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول ] أي ويقول المنافقون : أمرك يا محمد طاعة، كقول القائل :" سمعا وطاعة " فإذا خرجوا من عندك دبر جماعة منهم غير الذي تقوله لهم، وهو الخلاف والعصيان لأمرك
[ والله يكتب ما يبيتون ] أي يأمر الحفظة بكتابته في صحائف أعمالهم ليجازوا عليه
[ فأعرض عنهم وتوكل على الله ] أي أصفح عنهم وفوض أمرك إلى الله وثق به
[ وكفي بالله وكيلا ] أي فهو سبحانه ينتقم لك منهم، وكفى بالله ناصرا ومعينا لمن توكل عليه. ثم عاب تعالى المنافقين بالإعراض عن تدبر القرآن، لفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة، وفي تدبره يظهر برهانه، ويسطع نوره وبيانه
[ أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ] أي لو كان هذا القرآن مختلقا كما يزعم المشركون والمنافقون لوجدوا فيه تناقضا كبيرا، في أخباره، ونظمه، ومعانيه ولكنه منزه عن ذلك فأخباره صدق، ونظمه بليغ، ومعانيه محكمة، فدل على أنه تنزيل الحكيم الحميد
[ وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف ] أي إذا جاء المنافقين خبر من الأخبار عن المؤمنين، بالظفر والغنيمة، أو النكبة والهزيمة،
[ أذاعوا به ] أي أفشوه وأظهروه وتحدثوا به، قبل أن يقفوا على حقيقته، وفي إذاعتهم له مفسدة على المسلمين
[ ولو ردوه إلى الرسول والى اولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ] أي لو ترك هؤلاء الكلام، بذلك الأمر الذي بلغهم، وردوه إلى رسول الله (ص) والى كبراء الصحابة وأهل البصائر منهم، لعلمه الذين يستخرجونه منهم أي من الرسول وأولي الأمر