[ ولولا أفضل الله عليكم ورحمته لأتبعتم الشيطان إلا قليلا ] أي لولا فضل الله عليكم أيها المؤمنون بإرسال الرسول، ورحمته بإنزال القرآن، لاتبعتم الشيطان فيما يأمركم به من الفواحش، إلا قليلا منكم.. ثم أمر الرسول بالجهاد فاقل :
[ فقاتل في سبيل الله لا تكلف ألا نفسك ] أي قاتل يا أيها الرسول الكفار، لإعلاء كلمة الله ولو وحدك، فإنك موعود بالنصر، ولا تهتم بتخلف المنافقين عنك
[ وحرض المؤمنين ] أي شجعهم على القتال ورغبهم فيه
[ عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا ] هذا وعد من الله بكف شرهم و[ عسى ] من الله تفيد التحقيق أي بتحريضك المؤمنين، يكف الله شر الكفرة الفجار، وقد كفهم الله بهزيمتهم في بدر وبفتح مكة
[ والله أشد باسا واشد تنكيلا ] أي هو سبحانه أشد قوة وسطوة، وأعظم عقوبة وعذابا
[ من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ] أي من يشفع بين الناس شفاعة موافقة للشرع، يكن له نصيب من الأجر
[ ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها ] أي ومن يشفع شفاعة مخالفة للشرع، كالشفاعة لإسقاط الحد يكن له نصيب من الوزر بسببها
[ وكان الله على كل شيء مقيتا ] أي مقتدرا فيجازي كل أحد بعلمه
[ وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ] أي إذا سلم عليكم أحد، فردوا عليه بأفضل مما سلم، أو ردوا عليه بمثل ما سلم
[ إن الله كان على كل شيء حسيبا ] أي يحاسب العباد على كل شيء من أعمالهم، الصغيرة والكبيرة
[ الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ] هذا قسم من الله بجمع الخلائق يوم المعاد أي اقسم لكم بالله الواحد الأحد، الذي لا معبود بحق سواه، ليحشرنكم الله أيها الناس من قبوركم، إلى حساب يوم القيامة، الذي لا شك فيه، وسيجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد، للجزاء والحساب
[ ومن اصدق من الله حديثا ] ؟ لفظه استفهام ومعناه النفي، أي لا أحد اصدق في الحديث والوعد من الله رب العالمين، فإن كلامه صدق، ووعده لا يخلف !
لبلاغة :
ضمنت هذه الآيات أنواعا من الفصاحة والبيان.
١- الاستعارة في قوله :[ يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ] أي يبيعون الفانية بالباقية، فاستعار لفظ الشراء للمبادلة، وهو من لطيف الاستعارة.
٢- الاعتراض في [ كأن لم يكن بينكم وبينه مودة ] للتوبيخ وبيان ضعف إيمانهم.
٣- التشبيه المرسل المجمل في [ يخشون الناس كخشية الله ].
٤- الطباق بين لفظ [ الأمن ] و[ الخوف ].
٥- جناس الاشتقاق في [ أصابتكم مصيبة ] وفي [ حييتم فحيوا ] وفي [ يشفع شفاعة ] وفي [ بيت.. ويبيتون ].
٦- الاستفهام الذي يراد به الإنكار في [ أفلا يتدبرون القرآن ] ؟ للتوبيخ.
٧- المقابلة في قوله :[ الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله ] [ والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت ]. وكذلك في قوله :[ من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها ] وهذه من المسحنات البديعية، وهي أن يؤتي بمعنيين أو أكثر، ثم يؤتي بما يقابل ذلك على الترتيب.
تنبيه :
ا تعارض بين قوله تعالى :[ قل كل من عند الله ] أي كل من الحسنة والسيئة وبين قوله :[ وما أصابك من سيئة فمن نفسك ] إذ الأولى على الحقيقة أي خلقا وإيجادا، والثانية تسببا وكسبا بسبب الذنوب [ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ] أو نقول : نسبة الحسنة إلى الله، والسيئة إلى العبد، هو من باب الأدب مع الله في الكلام، وإن كان كل شيء منه في الحقيقة كقوله(ص) :(الخير كله بيديك والشر ليس إليك) والله أعلم.
قال الله تعالي :[ فما لكم في المنافقين فئتين.. إلى.. ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما ] من آية (٨٨) إلى نهاية آية (٩٦).
المناسبة :


الصفحة التالية
Icon