ما ذكر تعالى مواقف المنافقين المخزية، عقبه بذكر نوع آخر من أحوال المنافقين الشنيعة، ثم ذكر حكم القتل الخطأ والقتل العمد، وأمر بالتثبت قبل الإقدام على قتل إنسان، لئلا يفضي إلى قتل أحد من المسلمين، ثم ذكر تعالى مراتب المجاهدين ومنازلهم الرفيعة في الآخرة.
للغة :
اركسهم ] ردهم إلى الكفر أو نكسهم، واصل الركس : رد الشيء مقلوبا، قال الشاعر : فأركسوا في حميم النار إنهم كانوا عصاة وقالوا الإفك والزورا
[ حصرت ] ضاقت من الحصر وهو الضيق
[ السلم ] الاستسلام والانقياد
[ ثقفتموهم ] صادفتموهم ووجدتموهم
[ فتبينوا ] فتثبتوا
[ اركسوا فيها ] قلبوا فيها.
سبب النزول :
أ- عن زيد بن ثابت أن النبي (ص)خرج إلى أحد فرجع ناس ممن كان معه، فكان أصحاب النبي (ص) فيهم فرقتين، فقال بعضهم : نقتلهم، وقال بعضهم : لا، فانزل الله [ فما لكم في المنافقين فئتين.. ] الآية فقال( ص) :" إنها طيبة تنفي الخبث، كما تنفي النار خبث الحديد ".
ب- يروى ان " الحارث بن زيد " كان شديدا على النبى (ص) فجاء مهاجرا وهو يريد ا؟سلام، فلقيه " عياش بن ابى ربيعه " والحارث يريد الاسلام وعياش ؟ يشعر فقتله فانزل الله [ وما كان لمؤمن ان يقتل مؤمنا الا خطأ ] ا؟ية.
ج- عن ابن عباس قال : لحق المسلمون رجلا في غنيمة له فقال : السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غنيمته، فنزلت هذه الآية [ ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا.. ] الآية.
التفسير :
فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا ] أي ما لكم أيها المؤمنون أصبحتم فرقتين في شأن المنافقين، بعضكم يقول : نقتلهم وبعضكم يقول : لا نقتلهم، والحال أنهم منافقون، والله نكسهم وردهم إلى الكفر بسب النفاق والعصيان
[ أتريدون أن تهدوا من أضل الله ] أي أتريدون هداية من أضله الله، والاستفهام للإنكار والتوبيخ في الموضعين، والمعني : لا تختلفوا في أمرهم ولا تظنوا فيهم الخير، لأن الله حكم بضلالهم
ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ] أي من يضلله الله، فلن تجد له طريقا إلى الهدي والإيمان
[ ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء ] أى تمني هؤلاء المنافقون أن تفكروا مثلهم لتستووا أنتم وهم وتصبحوا جميعا كفارا
[ فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله ] أي لا توالوا ولا تصادقوا منهم أحدا حتى يؤمنوا، ويحققوا إيمانهم بالهجرة والجهاد في سبيل الله
[ فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ] أي إن أعرضوا عن الهجرة في سبيل الله فخذوهم أيها المؤمنون واقتلوهم حيث وجدتموهم، في حل أو حرم
[ ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا ] أي لا تستنصروهم ولا تستنصحوهم، ولا تستعينوا بهم في الأمور، ولو بذلوا لكم الولاية والنصرة
[ إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ] أي إلا الذين ينتهون ويلجأون إلى قوم عاهدوكم فدخلوا فيهم بالحلف، فحكمهم حكم أولئك في حقن دمائهم
[ أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ] وهذا استثناء ايضا من القتل أى وإلا الذين جاءوكم وقد ضاقت صدورهم عن قتالكم، وقتال قومهم، فهم قوم ليسوا معكم ولا عليكم
[ ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم ] أى من لطفه تعالى بكم ان كفهم عنكم، ولو شاء لقواهم وجرأكم عليكم قلقاتلوكم
[ فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم والقوا اليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ] أى فان لم يتعرضوا لكم بقتال، وانقادوا واستسلموا لكم، فليس لكم ان تقاتلوهم طالما سالموكم


الصفحة التالية
Icon