الثانية : وصف تعالى المنافقين فى هذه الآيات بعشرة أوصاف، كلها شنيعة وقبيحة، تدل على رسوخهم فى الضلال وهى (الكذب، الخداع، المكر، السفه، الاستهزاء، الإفساد فى الأرض، الجهل، الضلال، التذبذب، السخرية بالمؤمنين) أعاذنا الله من صفات المنافقين.
الثالثة : حكمة كفه عليه الصلاة والسلام عن قتل المنافقين، مع أنهم كفار وعلمه (ص) بأعيان بعضهم، ما أخرجه البخاري أن النبي (ص) قال لعمر :" أكره أن يحدث العرب أن محمدا يقتل أصحابه ".
لطيفة :
قال العلامة ابن القيم : تأمل قوله تعالى [ ذهب الله بنورهم ] ولم يقل :" ذهب الله بنارهم " مع أنه مقتضى السياق ليطابق أول الآية [ استوقد نارا ] فإن النار فيها إشراق وإحراق، فذهب الله بما فيها من الإشراق وهو " النور " وأبقى ما فيها من الإحراق وهو " النارية " !! وتأمل كيف قال :[ بنورهم ] ولم يقل بضوئهم، لأن الضوء زيادة فى النور، فلو قيل :(ذهب الله بضوئهم) لأوهم الذهاب بالزيادة فقط دون الأصل!! وتأمل كيف قال :[ ذهب الله بنورهم ] فوحد النور ثم قال :[ وتركهم فى ظلمات ] فجمعها، فإن الحق واحد، هو (صراط الله المستقيم)، الذى لا صراط يوصل سواه، بخلاف طرق الباطل، فإنها متعددة ومتشعبة، ولهذا أفرد سبحانه " الحق " وجمع " الباطل " فى آيات عديدة مثل قوله تعالى :[ يخرجونهم من الظلمات إلى النور ] وقوله :[ وجعل الظلمات والنور ] وقوله :[ وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ] فجمع سبل الباطل، ووحد سبيل الحق.
قال الله تعالى :
[ يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم.. إلى.. وهم فيها خالدون ] من آية (٢١) إلى نهاية آية (٢٥).
المناسبة :
لما ذكر تعالى الأصناف الثلاثة (المؤمنين، والكافرين، والمنافقين) وذكر ما تميزوا به من سعادة أو شقاوة، أو إيمان أو نفاق، وضرب الأمثال، ووضح طرق الضلال، أعقبه هنا بذكر الأدلة والبراهين، على وحدانية رب العالمين، وعرف الناس بنعمه ليشكروه عليها، وأقبل عليهم بالخطاب فقال :[ يا أيها الناس ] وهو خطاب لجميع الفئات ممتناً عليهم بما خلق ورزق، وأبرز لهم (معجزة القرآن) بأنصع بيان وأوضح برهان، ليقتلع من القلوب جذور الشك والارتياب.
اللغة :
[ خلقكم ] الخلق : الإيجاد والاختراع بلا مثال، وأصله فى اللغة التقدير، يقال : خلق النعل إذا قدرها وسواها بالمقياس، وخلق الأديم للسقاء إذا قدره، قال الحجاج :" ما خلقت إلا فريت، ولا وعدت إلا وفيت " أى ما قدرت شيئا إلا أمضيته، ولا وعدت بشيء إلا وفيت به.
[ فراشا ] الفراش : الوطاء والمهاد الذى يقعد عليه الإنسان وينام
[ بناء ] البناء : ما يبنى من قبة أو خباء أو بيت
[ أندادا ] جمع ند وهو الكفء والمثيل والنظير، ومنه قول علماء التوحيد " ليس لله ند ولا ضد " قال حسان : أتهجوه ولست له بند فشركما لخيركما الفداء. وقال الزمخشري :" الند : المثل، ولا يقال إلا للمخالف المناوئ "، قال جرير : أتيما تجعلون إليّ ندا ؟
[ وقودها ] الوقود : الحطب الذى توقد به النار، قال القرطبي : الوقود بالفتح الحطب، وبالضم مصدر بمعنى التوقد
[ أعدت ] هيئت، وأعددنا : هيأنا، قال البيضاوي :[ أعدت ] هيئت لهم وجعلت عدة لعذابهم
[ وبشر ] البشارة : الخبر السار الذى يتغير به بشرة الوجه من السرور، وإذا استعمل فى الشر فهو تهكم، مثل [ فبشرهم بعذاب أليم ]
[ أزواج ] جمع زوج، ويطلق على الذكر والأنثى
[ اسكن أنت وزوجك الجنة ] فالمرأة زوج الرجل، والرجل زوج المرأة، قال الأصمعي : لا تكاد العرب تقول زوجة، وإنما يقولون زوج، لكل من الذكر والأنثى
[ خالدون ] باقون دائمون، لا يخرجون منها.
التفسير :


الصفحة التالية
Icon