يقول تعالى منبهاً العباد إلى دلائل القدرة والوحدانية [ يا أيها الناس اعبدوا ربكم ] أي يا معشر بني أدم اذكروا نعم الله الجليلة عليكم، واعبدوا الله ربكم، الذى رباكم وأنشأكم بعد أن لم تكونوا شيئا، اعبدوه بتوحيده، وشكره، وطاعته
[ الذى خلقكم والذين من قبلكم ] أي الذي أوجدكم بقدرته من العدم، وخلق من قبلكم من الأمم
[ لعلكم تتقون ] أي لتكونوا فى زمرة المتقين، الفائزين بالهدى والفلاح، قال البيضاوي : لما عدد تعالى فرق المكلفين، أقبل عليهم بالخطاب على سبيل الالتفات، هزا للسامع، وتنشيطا له، واهتماما بأمر العبادة وتفخيما لشأنها، وإنما كثر النداء فى القرآن بـ [ يا أيها ] لاستقلاله بأوجه من التأكيد، وكل ما نادى الله له عباده من حيث إنها أمور عظام، من حقها أن يتفطنوا لها، ويقبلوا بقلوبهم عليها وأكثرهم عنها غافلون، حقيق بأن ينادى له بالآكد الأبلغ، ثم عدد تعالى نعمه عليهم فقال
[ الذى جعل لكم الأرض فراشا ] أي جعلها مهادا وقرارا، تستقرون عليها وتفترشونها كالبساط المفروش مع كرويتها، وإلا ما أمكنكم العيش والاستقرار عليها، قال البيضاوي : جعلها مهيأة لأن يقعدوا ويناموا عليها كالفراش المبسوط، وذلك لا يستدعي كونها مسطحة، لأن (كروية) شكلها مع عظم حجمها، لا يأبى الافتراش عليها
[ والسماء بناء ] أي سقفا للأرض مرفوعا فوقها، كهيئة القبة والبناء
[ وأنزل من السماء ماء ] أي مطرا عذباً فراتا، أنزله بقدرته من السحاب
[ فأخرج به من الثمرات رزقا لكم ] أي فأخرج بذلك المطر، أنواع الثمار والفواكه والخضار غذاء لكم
[ فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ] أي فلا تتخذوا معه شركاء من الأصنام والبشر، تشركونهم مع الله فى العبادة، وأنتم تعلمون أنها لا تخلق شيئا ولا ترزق، وأن الله هو الخالق الرازق وحده، ذو القوة المتين، قال ابن كثير : شرع تعالى فى بيان وحدانية ألوهيته بأنه هو المنعم على عبيده بإخراجهم من العدم، وإسباغه عليهم النعم، والمراد بالسماء هنا (السحاب) فهو تعالى الذى أنزل المطر من السحاب فى وقته عند احتياجهم إليه، فأخرج لهم به أنواع الزروع والثمار، رزقاً لهم ولأنعامهم، ومضمونه أنه الخالق الرازق مالك الدار وساكنيها ورازقهم، فبهذا يستحق أن يعبد وحده ولا يشرك به غيره. ثم ذكر تعالى الحجة على النبوة، بعد ذكر أدلة التوحيد، وأقام البرهان على إعجاز القرآن فقال :
[ وإن كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا ] أي وإذا كنتم أيها الناس فى شك وارتياب من صدق هذا القرآن، المعجز فى بيانه، وتشريعه، ونظمه، الذي أنزلناه على عبدنا ورسولنا محمد (ص)
[ فأتوا بسورة من مثله ] أي فأتوا بسورة واحدة من مثل هذا القرآن، في البلاغة والفصاحة والبيان
[ وادعوا شهداءكم من دون الله ] أي وادعوا أعوانكم وأنصاركم الذين يساعدونكم على معارضة القرآن، غير الله سبحانه، والمراد استعينوا بمن شئتم غيره تعالى. قال البيضاوي : المعنى : ادعوا للمعارضة من حضركم أو رجوتم معونته من إنسكم وجنكم وآلهتكم غير الله سبحانه وتعالى، فإنه لا يقدر أن يأتى بمثله إلا الله
[ إن كنتم صادقين ] أي أنه مختلق، وأنه من كلام البشر، وجوابه محذوف دل عليه ما قبله
[ فإن لم تفعلوا ] أي فإن لم تقدروا على الاتيان بمثل سورة من سوره، وعجزتم فى الماضي عن الإتيان بما يساويه أو يدانيه، مع استعانتكم بالفصحاء والعباقرة والبلغاء