[ برهان ] البرهان : الدليل والمراد به هنا المعجزات
[ اعتصموا ] لاذوا ولجأوا، والعصمة : الامتناع
[ الكلالة ] من لا ولد له ولا والد وقد تقدم.
سبب النزول :
جاء وفد من النصاوى الى رسول الله (ص) فقالوا يا محمد : لم تعيب صاحبنا ؟ قال : ومن صاحبكم ؟ قالوا : عيسى، قال : وأي شيء أقول فيه ؟ قالوا تقول : انه عبد الله ورسوله، فقال لهم :
انه ليس بعار ان يكون عبدا لله، قالوا : بلى، فأنزل الله ردا عليهم :[ لن يستنكف المسيح ان يكون عبدا لله ] الآية.
التفسير :
[ إنا أوحينا اليك كما أوحينا الى نوح والنبيين من بعده ] أى نحن أوحينا اليك يا محمد، كما أوحينا الى نوح والأنبياء من بعده، وانما قدم (ص) في الذكر، وإن تأخرت نبوته، لتقدمه في الفضل
[ وأوحينا الى ابراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب والاسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان ] أي وأوحينا الى سائر النبيين " ابراهيم واسماعيل " الخ خص تعالى بالذكر هؤلاء تشريفا وتعظيما لهم، وبدأ بعد محمد بين بنوح لأنه شيخ الانبياء وأبو البشر الثاني، ثم ذكر ابراهيم لانه الاب الثالث، ومنه تفرعت شجرة النبوة كما قال تعالى :[ وجعلنا فى ذريته النبوة والكتاب ] وقدم عيسى على أنبياء كانوا قبله، لشدة العناية بأمره، لغلو اليهود في الطعن فيه حيث جعلوه ابن زنى، والنصارى في تقديسه حيث جعلوه ابن الله
[ وأتينا داود زبورا ] أى وخصصنا داود بالزبور، قال القرطبي : كان فيه مائة وخمسون سورة، ليس فيها حكم من الاحكام، وإنما هي حكم ومواعظ
[ ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ] أى وارسلنا رسلا كثيرين، منهم من ذكرنا أخبارهم لك يا محمد في غير هذه السورة
[ ورسلا لم نقصصهم عليك ] أى ورسلا آخرين لم نخبرك عن أحوالهم
[ وكلم الله موسى تكليما ] أى وخص الله موسى بأن كلمه بلا واسطة، ولهذا سمي (الكليم )، وانما أكده [ تكليما ] رفعا لاحتمال المجاز، قال ثعلب : لولا التأكيد لجاز أن تقول : قد كلمت لك فلانا بمعنى كتبت اليه رقعة، او بعثت اليه رسولا، فلما قال " تكليما " لم يكن إلا كلاما مسموعا من الله تعالى
[ رسلا مبشرين ومنذرين ] أى يبشرون بالجنة من أطاع، وينذرون بالنار من عصى
[ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ] أى بعثهم الله ليقطع حجة من يقول : لو أرسل إلى رسول لآمنت وأطعت، فقطع الله حجة البشر، بارسال الرسل وإنزال الكتب
[ وكان الله عزيزا حكيما ] أى عزيزا في ملكه (حكيما) في صنعه.. ثم رد تبارك وتعالى على اليهود، حين انكروا نبوة محمد فقال سبحانه :
[ لكن الله يشهد بما أنزل اليك ] أى ان لم يشهد لك هؤلاء بالنبوة، فالله يشهد لك بذلك، بما أنزل اليك من القرآن المعجز
[ انزله بعلمه والملائكة يشهدون ] أى انزله بعلمه الخاص الذي لا يعلمه غيره، باسلوب يعجز عنه كل بليغ، والملائكة يشهدون كذلك بما أنزل الله اليك ويشهدون بنبوتك
[ وكفى بالله شهيدا ] أى كفى الله شاهدا لك، فشهادته تعالى تغنيك وتكفيك، لم ان لم يشهد غيره
[ ان الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا ] أى كفروا بأنفسهم، ومنعوا الناس عن الدخول في دين الله، قد ضلوا عن طريق الرشاد ضلالا بعيدا، لأنهم جمعوا بين الضلال والاضلال، فضلالهم في أقصى الغايات
[ ان الذين كفروا وظلموا ] قال الزمخشري : أى جمعوا بين الكفر والمعاصى
[ لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا ] أى لن يعفو الله عنهم، ولن يهديهم الى طريق الجنة، لأنهم ماتوا على الكفر
[ إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا ] أى لن يهديهم إلا إلى الطريق الموصلة الى جهنم، جزاء لهم على ما أسلفوه، من الكفر والظلم، مخلدين فيها أبدا
[ وكان ذلك على الله يسيرا ] أى تخليدهم في جهنم، لا يصعب عليه تعالى ولا يستعظمه