لما ذكر تعالى ما شرعه لعباده المؤمنين من الأحكام، ومن أعظمها بيان الحلال والحرام، ذكر هنا نعمته عليهم بالهداية إلى الإسلام، ثم أعقبه ببيان نعمته تعالى على أهل الكتاب، ولكنهم نقضوا العهد، فألزمهم الله العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، ثم دعا الفريقين إلى الاهتداء بنور القرآن، والتمسك بشريعة خاتم المرسلين، وترك ما هم عليه من ضلالات وأوهام.
اللغة :
[ نقيبا ] النقيب : كبير القوم الذي يبحث عن أحوالهم ومصالحهم، فهو كالكفيل عن الجماعة
[ وعزرتموهم ] التعزير : التعظيم والتوقير
[ سواء السبيل ] قصد الطريق ووسطه
[ قاسية ] صلبة لا تعي خيرا، والقاسية والعاتية بمعنى واحد
[ خائنة ] خيانة، ويجوزأن يكون صفة للخائن، كما يقال : رجل طاغية، ورواية للحديث
[ فأغرينا ] هيجنا وألزمنا، مأخوذ من الغراء، وغري بالشيء إذا لصق به
[ فترة ] انقطاع
[ يتيهون ] التيه : الحيرة والضياع.
سبب النزول :
أراد يهود بني النضير أن يلقوا على رأس رسول الله (ص) الرحى، وأن يغدروا به وبأصحابه، فأنزل الله :[ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم.. ] الآية.
التفسير :
[ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم ] أي تذكروا فضل الله عليكم، بحفظه إياكم من أعدائكم
[ إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم ] أي يبطشوا بكم بالقتل والإهلاك
[ فكف أيديهم عنكم ] أي عصمكم من شرهم، ورد أذاهم عنكم
[ واتقوا الله ] بامتثال أوامره واجتناب نواهيه
[ وعلى الله فليتوكل المؤمنون ] أي فليثق المؤمنون بالله، فإنه كافيهم وناصرهم.. ثم ذكر تعالى أحوال اليهود وما تنطوي عليه نفوسهم من الخيانة ونقض الميثاق، فقال :
[ ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل ] أي عهدهم المؤكد باليمين
[ وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا ] أي وأمرنا موسى بأن يأخذ اثنى عشر نقيبا – والنقيب كبير القوم القائم بأمورهم – من كل سبط نقيب، يكون كفيلا على قومه بالوفاء بالعهد توثقة عليهم، قال المفسرون : لما استقر بنو إسرائيل بمصر بعد هلاك فرعون، أمرهم الله تعالى بالسير إلى " أريحاء " بأرض الشام، كان يسكنها الكنعانيون الجبابرة، وقال لهم : إنى كتبتها لكم دارا وقرارا، فجاهدوا من فيها فإني ناصركم، وأمر موسى بأن يأخذ من كل سبط نقيبا، فاختار النقباء وسار بهم، فلما دنا من أرض كنعنان بعثهم يتجسسون الأخبار، فرأوا قوما أجسامهم عظيمة، ولهم قوة وشوكة، فهابوهم ورجعوا وحدثوا قومهم، وكان موسى قد نهاهم أن يتحدثوا بما يرون، فنكثوا الميثاق وتحدثوا إلا اثنين منهم، وإلى هذا أشارت الآية الكريمة
[ وقال الله إنى معكم ] أي ناصركم ومعينكم
[ لئن أقمت الصلاة وآتيتم الزكاة ] اللام للقسم أي وأقسم لكم يا بني إسرائيل، لئن أديتم ما فرضت عليكم، من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة
[ وآمنتم برسلي وعزرتموهم ] أي وصدقتم برسلي ونصرتموهم، ومنعتموهم من الأعداء
[ وأقرضتم الله قرضا حسنا ] أي بالإنفاق في سبيل الخير ابتغاء مرضاة الله
[ لأكفرن عنكم سيئاتكم ] أي لأمحون عنكم ذنوبكم، وهذا جواب القسم، قال البيضاوي : وقد سد مسد جواب الشرط
[ ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار ] أي تجري من تحت غرفها وقصورها أنهار الجنة
[ فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل ] أي من كفر بعد ذلك الميثاق، فقد أخطأ الطريق السوي، وضل ضلالا لا شبهة فيه
[ فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم ] أي بسبب نقضهم الميثاق طردناهم من رحمتنا
[ وجعلنا قلوبهم قاسية ] أي جافة جافية لا تلين لقبول الإيمان
[ يحرفون الكلم عن مواضعه ] قال ابن كثير : تأولوا كتابه – التوراة – على غير ما أنزله، وحملوه على غير مراده، وقالوا على الله ما لم يقل، ولا جرم أعظم من الاجتراء على تغيير كلام الله عز وجل