[ قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ] أي قل لهم يا أيها الرسول : لقد كذبتم فمن الذين يستطيع أن يدفع عذاب الله من أهل الأرض، لو أراد أن يهلك المسيح وأمه وأهل الأرض جميعاً ؟ فعيسى عبد مقهور، معرض للفناء كسائر المخلوقات، ومن كان بهذه الصفة فهو بمعزل عن الألوهية، ولو كان إلها لقدر على تخليص نفسه من الموت
[ ولله ملك السموات والأرض وما بينهما ] أي من الخلق والعجائب
[ يخلق ما يشاء ] أي هو قادر على أن يخلق ما يريد، ولذلك خلق عيسى من غير أب
[ والله على كل شيء قدير ] أي لا يعجزه شيء، ثم حكى عن اليهود والنصارى افتراءهم فقال سبحانه :
[ وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ] أي نحن من الله بمنزلة الأبناء من الآباء، ونحن أحباؤه لأننا شعبه المختار، قال ابن كثير : أي نحن منتسبون إلى أنبيائه، وهم بنوه، وله بهم عناية خاصة وهو يحبنا
[ قل فلم يعذبكم بذنوبكم ] ؟ أي لو كنتم كما تدعون أبناءه وأحباءه فلم أعد لكم نار جهنم على كفركم وافترائكم ؟
[ بل أنتم بشر ممن خلق ] أي أنتم بشر كسائر الناس، وهو سبحانه الحاكم في جميع عباده
[ يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ] أي يغفر لمن شاء من عباده ويعذب من شاء، لا اعتراض لحكمه ولا راد لأمره
[ ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير ] أي الجميع ملكه وتحت قهره وسلطانه، وإليه المرجع والمآب.. ثم دعاهم إلى الإيمان بخاتم المرسلين فقال سبحانه :
[ يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل ] أي يا معشر اليهود والنصارى لقد جاءكم محمد (ص) يوضح لكم شرائع الدين، على انقطاع من الرسل، ودروس من الدين، وكانت الفترة بين " عيسى " و " محمد " مدتها خمسمائة وستون سنة، لم يبعث فيها رسول
[ أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير ] أي لئلا تحتجوا وتقولوا : ما جاءنا من رسول يبشرنا وينذرنا!!
[ فقد جاءكم بشير ونذير ] هو محمد (ص)
[ والله على كل شيء قدير ] قال ابن جرير : أي قادر على عقاب من عصاه، وثواب من أطاعه.. ثم ذكر تعالى ما عليه اليهود من العناد والجحود فقال سبحانه :
[ وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم ] أي اذكر يا أيها الرسول حين قال موسى لبني إسرائيل : يا قوم تذكروا نعمة الله العظمى عليكم، واشكروه عليها
[ إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا ] أي حين بعث فيكم الأنبياء، يرشدونكم إلى معالم الدين، وجعلكم تعيشون كالملوك، لا يغلبكم غالب بعد أن كنتم مملوكين لفرعون، مقهورين فأنقذكم منه بإغراقه، قال البيضاوي : لم يبعث في أمة كما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء
[ وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ] أي من أنواع الإنعام والإكرام، من فلق البحر، وتظليل الغمام، وإنزال المن والسلوى ونحوها
[ يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ] قال البيضاوي : هي أرض بيت المقدس، سميت بذلك لأنها كانت قرار الأنبياء ومسكن المؤمنين ومعنى [ التي كتب الله لكم ] أي التي وعدكموها على لسان أبيكم إسرائيل، وقضى أن تكون لكم
[ ولا ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين ] أي ولا ترجعوا مدبرين خوفا من الجبابرة، قال في التسهيل : روي أنه لما أمرهم موسى بدخول الأرض المقدسة، خافوا من الجبارين الذين فيها، وهموا أن يرجعوا إلى مصر
[ قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين ] أي عظام الأجسام، طوال القامة، لا قدرة لنا على قتالهم وهم " العمالقة " من بقايا عاد
[ وإنا لم ندخلها حتى يخرجوا منها ] أي لن ندخلها حتى يسلموها لنا من غير قتال
[ فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ] أي لا يمكننا الدخول ما داموا فيها، فإن خرجوا منها دخلناها