[ يا ويلتا ] كلمة تحسر وتلهف، قال سيبويه : كلمة تقال عند الهلكة
[ ينفوا ] نفاه : طرده، وأصله الإهلاك ومنه النفاية لرديء المتاع
[ خزي ] الخزي : الفضحية والذل، يقال : أخزاه الله أي فضحه وأذله
[ الوسيلة ] كل ما يتوسل به إلى الله من عمل صالح
[ نكالا ] عقوبة.
سبب النزول :
عن أنس أن رهطاً من عرينة قدموا على رسول الله (ص) فاجتووا المدينة – استوخموها – فبعثهم رسول الله (ص) إلى إبل الصدقة وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها، فلما صحوا قتلوا راعي النبي (ص) واستاقوا النعم، فأرسل رسول الله (ص) في آثارهم، فجيء بهم فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمرت أعينهم وألقوا في الحرة حتى ماتوا، فنزلت [ إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله.. ] الأية.
التفسير :
[ واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق ] أي اقرأ يا أيها الرسول على هؤلاء الحسدة من اليهود وأشباههم، خبر " قابيل وهابيل " ابني آدم، بالحق والصدق،
[ إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر ] أي حين قرب كل منهما قربانا، فتقبل من هابيل ولم يتقبل من قابيل، قال المفسرون : سبب هذا القربان، أن حواء كانت تلد في كل بطن ذكرا وأنثى، وكان يزوج الذكر من هذا البطن، بالأنثى من البطن الآخر، فلما أراد آدم أن يزوج قابيل أخت هابيل، ويزوج هابيل أخت قابيل، رضي هابيل وأبى قابيل، لأن توأمته كانت أجمل، فقال لهما آدم : قربا قربانا فمن أيكما تقبل تزوجها، وكان " قابيل " صاحب زرع فقرب أرذل زرعه، وكان " هابيل " صاحب غنم فقرب أحسن كبش عنده، فقبل قربان هابيل بأن نزلت نار فأكلته، فازداد قابيل حسدا وسخطا عليه وتوعده بالقتل
[ قال لأقتلنك ] أي قال قابيل لأخيه هابيل لأقتلنك قال : لم ؟ قال : لأنه تقبل قربانك ولم يتقبل قرباني، قال : وما ذنبي ؟
[ قال إنما يتقبل الله من المتقين ] أي إنما يتقبل ممن اتقى ربه وأخلص نيته، قال البيضاوي : توعده بالقتل لفرط الحسد له على تقبل، قربانه، فأجابه بأنك أتيت من قبل نفسك، بترك التقوى لا من قبلي، وفيه إشارة إلى أن الطاعة لا تقبل، إلا من مؤمن متق الله
[ لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك ] أي لئن مددت إلي يدك ظلماً لأجل قتلي، ما كنت لأقابلك بالمثل، قال ابن عباس : أي ما أنا بمنتصر لنفسي
[ إني أخاف الله رب العالمين ] أي لا أمد يدي إليك لأني أخاف رب العالمين، قال الزمخشري : كان هابيل أقوى من القاتل، ولكنه تحرج عن قتل أخيه، خوفا من الله تعالى
[ إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار ] أي إن قتلتني فذاك أحب إلي من أن أقتلك، قال أبو حيان : المعنى إن سبق بذلك قدر، فاختياري أن أكون مظلوما، ينتصر الله لي، لا ظالما وقال ابن عباس : المعنى لا أبدؤك بالقتل لترجع بإثم قتلي إن قتلتني، وإثمك الذي كان منك قبل قتلي، فتصير من أهل النار
[ وذلك جزاء الظالمين ] أي عقاب من تعدى وعصى الله
[ فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ] أي زينت له نفسه وسهلت له قتل أخيه، فقتله فخسر وشقي، قال ابن عباس : خوفه بالنار فلم ينته ولم ينزجر
[ فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه ] أي أرسل الله غرابا يحفر بمنقاره ورجله الأرض، ليري القاتل كيف يستر جسد أخيه، قال مجاهد : بعث الله غرابين فاقتتلا، حتى قتل أحدهما صاحبه، ثم حفر له فدفنه، وكان هابيل أول من قتل، ولما قتله تركه بالعراء، ولم يدر كيف يدفنه، حتى رأى الغراب يدفن صاحبه، فلما رآه قال
[ قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي ] أي قال قابيل متحسرا : يا ويلي ويا هلاكى، أضعفت أن أكون مثل هذا الطير، فأستر جسد أخي في التراب، كما فعل هذا الغراب ؟


الصفحة التالية
Icon